لم تعد المظاهر اليوم ترفًا عابرًا، بل تحولت إلى وباءٍ ينهش ميزانيات الأسر، سيارات فارهة تقف أمام بيوت مرهقة بالإيجارات، ورحلات خارجية مموّلة ببطاقات ائتمان، وصور متباهية على وسائل التواصل تُخفي خلفها أقساطًا شهرية تنهش الدخل وتبدّد الطمأنينة، إنه فخّ الديون، يلمع في البداية كبريقٍ خاطف، ثم ينغلق على أصحابه كقيدٍ لا يُكسر. في الاقتصاد، الدين أداة للنمو إذا استُخدم في الاستثمار أو بناء أصلٍ منتج، لكنه حين يُستهلك في الكماليات، يتحول إلى لعنة مالية طويلة الأمد. فكل ريال يُقترض لمتعة مؤقتة يعني شهورًا أو سنوات من الاستنزاف، ومع مرور الوقت، يتآكل الادخار، تتبخر فرص التملك، وتصبح الأسرة أسيرة سباقٍ لا ينتهي مع البنوك. والمجتمع، على عكس ما يتوهم البعض، لا يمنح الاحترام لمن يقتني مظاهر بالدَّين، الاحترام لا يُشترى بأقساط، ولا يُقاس بعدد الصور المنشورة من رحلة ممولة بالاقتراض، الاحترام يُبنى بالإنجاز، بالقدرة على حماية الأسرة من الحاجة، وبالعيش وفق الإمكانيات لا ضدها، ولكيلا يسقط الفرد في هذا القيد الخانق، عليه أن يجعل الدين وسيلةً للإنتاج لا الاستعراض، وأن يوازن بين دخله والتزاماته، فيقدّم الادخار على المظاهر، ويحافظ على سمعته المالية كأصلٍ أثمن من أي كماليات، رفاهية الديون وهمٌ يسرق الحاضر ويصادر المستقبل. فلا تحملنَّ الدَّينَ ما عِشتَ إنَّهُ يُذِلُّ الرِّقابَ بعدَ عِزِّ القَناطرِ