القاص والكاتب جبير المليحان، الذي يعد أحد رواد كتابة القصة القصيرة، والمليحان من مواليد مدينة حائل عام 1950م، ترأس نادي المنطقة الشرقية الأدبي، وأسس «شبكة القصة العربية» عام 2000م، وصدرت له العديد من المجموعات القصصية من بينها: «الوجه الذي من ماء»، ورواية «أبناء الأدهم»، وهو حاصل على جائزة أبها في مجال القصة القصيرة عام 2011، وعلى جائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب لعام 2017م في فرع الرواية. في البداية يقول الشاعر جاسم الصحيح: «أتقدم بأحرّ التعازي والمواساة لأسرة الأستاذ جبير المليحان -رحمه الله-، في رحيله عن عالمنا إلى العالم الأعلى، والتعازي موصولة للأسرة الأدبية والثقافية في المملكة العربية السعودية والوطن العربي، سائلاً المولى العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ورضوانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون». وأضاف الصحيح لِاسْمِهِ في عالم القصَّة رنيناً ذَهَبِياً في مسامع المشهد الثقافي، فهو رائدٌ من روَّاد الفنّ القصصي في المملكة العربية السعودية، ومن أوائل الذين انشغلوا بغوايات السرد الفنّي داخل محيط من الغوايات الشعرية.. ذلك هو القاصّ السعودي الأستاذ والصديق (أبو أيمن) كما يحبُّ أصدقاؤه أن يُسَمُّوه. حيث ينحدر من سلالة الجبال في شمال القلب، وبالتحديد من حائل، حيث تفتَّحت عيناه على حكاياتِ بطولاتِ (عنتر) وسخاء (حاتم)، فاتَّخذ من الحكاية فرساً أصيلةً في رحلته الجميلة على طريق الإبداع. وأبان الصحيح منذ نهاية الستينات من القرن المنصرم حينما كان يدرس في المرحلة المتوسِّطة، بَدَأَ كتابةَ القصَّة بلهفةِ الفنِّ للخلود.. كتبها لتكون امتداداً لألف ليلة وليلة، وانعتاقاً من قبضة الأقدار التي تحاصر الإنسان منذ صرخته الأولى في هذا العالم الكبير. وقد كانت رحلته الأولى إلى (شرقيَّة) الخير، حيث أكمل المرحلة الثانوية، وإلى (نجد) كانت رحلته الثانية حيث أتمَّ الدراسة الجامعية في جامعة الإمام، وتمّ بعدها تعيينه في المنطقة الشرقية مديراً لمركز الإشراف التربوي في محافظة القطيف. بعد فترة، تمَّ إيفاده إلى وزارة التربية في البحرين ليعمل هناك لمدَّة أربع سنوات، ثمَّ عاد إلى الإشراف التربوي في وزارة التعليم بالدمام حتى تقاعده. خلال هذه الرحلات العديدة، كانت رحلته مع كتابة القصَّة تمتدُّ وعياً وتجربةً وإبداعاً، وقد أقدمَ على طباعة عدَّة مجموعات قصصية وروايات، تأتي على رأسها روايته الأشهَر (أبناء الأدهم) التي فازتْ بجائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب عامَ 2017م، ومجموعة قصصية للأطفال بعنوان (الهديَّة)، تَبَنَّتها شركة أرامكو السعودية ووزَّعت منها 150 ألف نسخة على زوّارها من الأطفال. وأوضح قبل عِقدين من الزمن، ومع التشكيل الجديد لأعضاء إدارات الأندية الأدبية وإعادة هيكلتها، قامت وزارة الثقافة والإعلام بتعيين الأستاذ (جبير المليحان) ضمن الكادر الجديد لإدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي، وتمّ اختياره رئيساً للنادي من قبل بقية الأعضاء لمدةِ خمس سنوات، تتويجًا لرحلته الطويلة مع الإبداع، وعرفانًا لريادته في هذا الفن، ووفاءً لما قدَّمه على طريق الكلمة الحرّة. واختتم الصحيح بقوله: «مع بداية القرن الجديد وانطلاقة ثورة الاتصالات عبر الشبكة العنكبوتية، قام الأستاذ (جبير المليحان) بتأسيس (شبكة القصة العربية)، دليلاً آخرَ على إيمانه ووفائه القديم لهذا الفنّ الجميل من الكتابة، وما زال يتولَّى الإشراف على هذه الشبكة التي استقطبت العديد من كُتَّاب القصة في الوطن العربي، حتى وفاته هذا اليوم 2 سبتمبر 2025م». ويضيف القاص أسامة محمد المسلم «رحل عنا الأديب والقاص السعودي جبير المليحان، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا غنياً وبالأخص في مجال القصة القصيرة والرواية في المملكة والعالم العربي. لم يكن المليحان مجرد كاتب نصوص، بل كان مؤسسًا لمنابر ثقافية أسهمت في تشكيل وعي جيل كامل من المبدعين، أبرزها منتديات القصة العربية التي جمعت آلاف النصوص والكتّاب من مختلف البلدان العربية، فكانت بحق بيتًا رحبًا للقصة، وحاضنة للحوار والإبداع. كان المليحان عاشقًا للكلمة، مخلصًا لوهجها، حارسًا للقصة القصيرة ومعلّمًا لأجيال من المواهب الشابة. اليوم نودعه -رحمه الله- وقد كان حضوره هادئًا، وأثره عميقاً وقد ترك وراءه بصمة خالدة في الأدب السعودي والعربي». وقال الكاتب محمد الحرز: «رحيل الكاتب والقاص جبير المليحان (أبو أيمن) فاجع للوسط الأدبي، ففي الوقت الذي كنا ننتظر أن يسطّر الكثير من إبداعاته القصصية والروائية مثلما كنا نرى حراكه المستمر من خلال (شبكة القصة العربية) في تفعيل الإبداع في الساحة المحلية والعربية يفاجئنا برحيله المبكر، وقد كان المعول عليه كثيراً خصوصاً وهو أحد أعمدة المؤسسين للقصة القصيرة، وليس هذا فحسب فقد كان يمتاز بشخصية إدارية في المجال التعليمي والثقافي، أكسبته مقدرة وخبرة في تطوير العمل الثقافي والأدبي، وكل من اقترب منه أو عمل معه كان يكتسب منه شيئاً من تلك الخبرة والرؤية للعمل الثقافي». وأضاف «الأجمل في شخصية جبير هذا التوازن الذي نراه بين العمل الثقافي من جهة وبين إبداعه الذي لم ينقطع عنه منذ أن أصدر مجموعته القصصية (الهدية) للأطفال 2004م من جهة ثانية، حيث توالت إصدارته تباعًا. إن كاتب رواية (الأدهم) لم يكن شغفه بالسرد القصصي والحكايات ليبعده عن شغف آخر امتلأت به روحه وهو حب الصحبة والمرح الرزين، ولا يمكن استشعار ذلك إلا من اقترب منه قرب الصديق والمحب، فأنت لا تكاد تراه إلا مبتسماً ومرحاً ودوداً، لا تفارقه الضحكة والابتسامة، يشدك حديثه وسرده الشفوي الذي تشعر أن صوته فيه قادم من عوالم لا تمت إلى هذا العالم بصلة. كتب (سيرة الصبي) ورحل عن دنيانا وكأنه يقول تكفي هذه السيرة من حياة مبدع نذر نفسه للإبداع بكل ما تحمله الكلمة من معنى». ويقول د. محمد بن عبدالله بودي، رئيس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي: «رحم الله الأستاذ القاص والأديب جبير المليحان رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، نفقد أديبًا وإنسانًا قدّم الكثير لخدمة الأدب والأدباء، وأسهم بجهوده الثقافية في دعم الحركة الأدبية في المنطقة الشرقية، نفقد لطفًا وطيبة ودماثة وسماحة اجتمعت في شخصه -رحمه الله-، نفقد أخًا ومثقفًا ومحبًا للأدباء ومشجعًا لهم، بفقده يغيب عن سمائنا نجم من نجوم الثقافة والأدب، فرحمك الله أبا أيمن، وجبر مصاب أهلك ومحبيك، وأحسن عزاء الجميع في فقيد الثقافة والأدب الأخ العزيز الأستاذ جبير المليحان، وإنا لله وإنا إليه راجعون». من جهته قال الدكتور عادل خميس، أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز: «ها نحن نفقد رمزاً جديداً، وأيقونة أدبية عربية قدمت للأدب والثقافة المحلية الكثير والكثير عبر زمن طويل. لقد حفر المليحان في الصخر منذ زمن كانت النظرة للفنون عموماً والقصة خصوصاً نظرة ازدراء وهامشية، لقد قاوم المليحان بالكلمة ووقف في وجه الرفض والتهميش والجهل. يشهد على هذا أجيال ممن كان له يد في حملهم للقلم، وخروجهم للساحة كتاباً ومبدعين. لقد كان المليحان رائداً مهماً من الرواد وكاتباً حساساً وذكياً يعرف كيف يستل سرده ليعبر عن قضاياه التي يؤمن بها برشاقة محترف. وستظل معالمه ومآثره في نادي القصة وفي كتبه التي أصدرها أو ترجمها أو أشرف عليها شاهداً على حياة مكثفة بالعمل والمثابرة والإخلاص، جبر الله قلوبنا فيك يا جبير». عادل الزهراني محمد بودي أسامة المسلم محمد الحرز أحمد التيهاني جاسم الصحيح