نعتاد مسكة القلم، ونحلِّق متجلببين بالمعلومات، وفيض الفكر الذي يأخذنا إلى الكثير من براعم الافكار الولّادة؛ بين فقرة وأخرى، ومعنى ومعنى، وتفاصيل شتى، على مأدبة النص الذي تقرضه الفكرة، وتسهب بنا الأفكار أحياناً؛ حتى الفيضان الفكري الذي يثري النص بمحاوره المتنوعة. لكن في المقابل الآخر من الممكن أن يتعرض الكاتب الى ما يُسمى بمأزق الكلمة، أو حُبسة الكلمة، ويقصد بها التوقف المفاجئ عن الكلام، أو عجز الشخص عن التعبير بالكلمة التي يريدها، رغم أنها حاضرة في ذهنه. وأحيانًا ما يقال: أصابني حبسة كلام بمعنى "انخنقت الكلمة في حلقي". وهي حالة يمرّ بها الأديب عندما تتجمد الكلمات داخله، ويشعر أن ذهنه ممتلئ لكن لا يستطيع أن يصوغ ما يريد على الورق أو بلسانه، وكأنّ الكلمة محبوسة عند عتبة الخروج، وهي كنبعٍ متفجّرٍ تحت الصخر، يسمع صوتهُ من الأعماق، لكنّ الماءَ لا يجدُ منفذًا ليرى النور. ومن أسبابها المُعتادة عند بعض الكُتّاب: ضغط نفسي أو توتر؛ القلق أو الانشغال يمنع تدفق الخاطر، أو الخوف من النقد أو المقارنة: يربك الكاتب ويجعله يتردد قبل الكتابة، بالإضافة إلى الإرهاق الذهني: كثرة الأفكار تشتت، فتضيع الكلمة المناسبة، وكذلك شدة العاطفة؛ فأحيانًا يكون الإحساس قوي لدرجة أن التعبير يعجز عن اللحاق به. وكذا قلّة مهارة التواصل. وتظهر للكاتب تلك الحُبسة بتوقف طويل أمام الورقة، كتابة جملة ثم مسحها مرارًا، نسيان الكلمة الصحيحة أو التردد في اختيارها، شعور أن كل ما يُكتب لا يليق بما يُحس، وعقوق الفكرة. ومن الممكن أن نتغلب عليها بعدة طرق منها: أخذ استراحة قصيرة لتجديد الذهن، القراءة لشحن اللغة والإلهام. والكتابة الحرة (كتابة بلا تفكير بالنقد أو القواعد)، وتسجيل الأفكار بصوت مرتجل قبل أن تضيع، وتذكير النفس أن "الكلمة تأتي عندما تُستدعى بلطف، لا بالقوة"، لذلك من الطبيعي أن نقبل جميع حالاتنا مع الكتابة في فيضانها وبخلها وعقوقها.