كان الاتحاد السوفيتي، قبل انهياره هو من ينظم المعارضة العالمية ضد الولاياتالمتحدة، باعتباره قطباً منافساً لها. ولكن منذ عام 1991، وحتى الآن جرت مياه كثيرة. فالعالم اليوم يعيش تغيرات كبيرة مع اقتراب المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي من نهايتها. ولذلك نلاحظ تأجج الصراع بين أقطاب ثلاثة - الولاياتالمتحدةوالصين وروسيا - وذلك قبل أن يجلسوا مع بعضهم ويرسمون الخطوط الحمراء الفاصلة فيما بينهم. فهذه الأقطاب عاجلاً أم أجلاً سوف تكون مجبرة ليس فقط الاعتراف بالأمر الواقع de facto، وإنما أيضاً، الإقرار de jure، بأنها قوى متنافسة متساوية لا يمكن لأحدها إجبار الآخر على تنفيذ ما يقره وحده، وبالتالي لا بد من تقاسم المصالح الاقتصادية فيما بينها، بالتناسب مع القوة التي تتمتع بها كل واحدة- وقت توقيع الاتفاق. لقد فوت الرئيس الأميركي، على ما يبدو، فرصة الذهاب إلى الصين للاحتفال بالذكرى ال80 لنهاية الحرب العالمية الثانية. فهناك كان يمكنه الجلوس مع قادة الصين وروسيا ورسم الخطوط الحمراء الضرورية معهما. فهذا الاجتماع الذي لا بد منه تأجل، وذلك لأن واشنطن لا تزال غير جاهزة- وتحاول الاحتفاظ بكرسي الزعامة لنفسها دون غيرها. إن الاقطاب العالمية لن يجتمعوا، كما اجتمعوا عام 1945 في يالطا، طالما أن الولاياتالمتحدة لا تزال غير مقتنعة بأنها تفقد السباق الاقتصادي. فهي سوف تحاول الاحتفاظ بالامتيازات لنفسها من خلال لي رقبة السوق، وفرض الرسوم الجمركية، ليس فقط كأداة من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية بالقوة، وإنما أيضاً كعصاة في وجه من يخالف توجهاتها السياسية. ولهذا رفعت الرسوم الجمركية على الهند إلى 50%، من أجل إجبارها على الامتثال لها والامتناع عن شراء النفط الروسي. ولكن الولاياتالمتحدة، بهذه الطريقة، تدفع الهند وغيرها إلى معارضتها. وبمعنى آخر إن المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي، قد وصلت إلى مرحلة متقدمة تستوجب الانتقال إلى نظام أخر. ولكن مقاومة الولاياتالمتحدة لهذا الانتقال، هو الذي يؤجج معارضة بلدان العالم، وخاصة الدول الكبرى الجديدة كروسيا والصينوالهند لمحاولة الولاياتالمتحدة منع، أو بالأصح إعاقة قيام نظام عالمي جديد. إن مقاومة الولاياتالمتحدة للتغيرات الموضوعية التي طرأت على العالم يجعلها تلعب دور الاتحاد السوفيتي الذي كان خلال الحرب الباردة يحرض ضد أمريكا. فالولاياتالمتحدة، هي التي تؤجج اليوم العداء لنفسها في العالم. ولكن التطورات القادمة، وهي تطورات موضوعية، أي ليس من صنع أحد، هي التي سوف تقنع الولاياتالمتحدة بالأمر الواقع، وتجبرها على التعويض عن الاجتماع الذي فوتته على نفسها، والذي سوف ينعقد يوم الأربعاء القادم في بكين بين الصين وروسيا. فأمريكا سوف تكون مضطرة خلال الفترة القادمة للجلوس مع الدول الكبرى الجديدة في اجتماع آخر للتوقيع معها juroe de على تقاسم المصالح الاقتصادية- فهذا هو الخيار الوحيد لتجنب حرب عالمية ثالثة.