على قاعدة رخامية أنيقة، تنتصب قطعة صخرية قاتمة محفورة بنقوش تحاكي الخط الثمودي والرموز الحميرية القديمة، بخطوط دقيقة ومحسوبة، يحاول النحات خالد العنقري محاكاة عميقة لروح الجزيرة العربية القديمة من خلال عملين نحتيين يجسّدان صدى التاريخ والهوية، مستلهمَين من النقوش الثمودية والحميرية المنتشرة في جبال ماسل جنوب محافظة الدوادمي. وتعكس الرموز المحفورة تجليات الهوية الثقافية العربية قبل الإسلام، وتُثير لدى المتلقي تساؤلات عن المعاني الكامنة خلف كل رمز. ومن خلال أعماله الإبداعية يضمن خالد العنقري منحوتاته الجديدة عدة رسائل أراد الإنسان القديم أن يخلّدها على الصخر. يتداخل في العمل الفن بالحرف، فيتجاوز كونه مجرد كتابة ليصبح أثراً بصرياً يوثّق الذاكرة، يعيد الروح إلى الحروف الغابرة ويبعث فيها الحياة المعاصرة. ويقول العنقري: إن هذه الأعمال ليست مجرد تماثيل حجرية... «بل هي نوافذ تطلّ منها الذاكرة على الحاضر، وتُذكّرنا بأننا أبناء صخرٍ لا ينسى». ويمتلئ العمل النحتي بعدة صور فنية، حيث يمثل الوجه الآخر من الصخرة سردًا تصويريًا يُجسّد مشاهد من الحياة القديمة من خلال شخصية بشرية رافعة يديها نحو الشمس، ترمز إلى طقس أو دعاء أو مظهر ديني، وجمل يمر في خلفية اللوحة، حاضرًا كرمز للتنقل والبقاء في الصحراء، وتكتمل الصور بقرص شمسي مشعّ بخطوطه، في تمثيل للعقيدة أو للزمن. تحمل هذه المنظومة البصرية رموزًا ودلالات لا تُقرأ فقط كفن تشكيلي، بل كحوار بين الفنان والذاكرة الجماعية للمنطقة، بما يظهر قدرة العنقري على إعادة تمثيل النقوش ك مشهديات سردية منحوتة، تنبض بروح أجدادنا الأوائل.