الحمد لله على قضائه وقدره، وإنا لله وإنا إليه راجعون، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا أم محمد لمحزونون. بقلوب يغمرها الحزن، مؤمنة بقضاء الله وقدره، أنعى رفيقة دربي، وزوجتي الحبيبة الغالية، هدى بنت سليمان بن حسن الأحيدب، التي غادرت دنيانا إلى رحمة الله، تاركةً خلفها أثراً لا يزول، وسيرةً تملؤها الطاعة والبرّ والإحسان. لقد كانت -رحمها الله- من أعظم نعم الله عليّ بعد الإسلام، هي ملاذي وسندي، وريحانة بيتي، ورفيقة دربي في السرّاء والضرّاء، عاشت معي عمراً جميلاً كله صفاء ومودة ورحمة، وكانت لي العون على طاعة الله، والبلسم الذي يخفف عني أثقال الحياة. وكانت مثال الزوجة الصالحة والأم الحنون، عاشت معي أجمل سنوات عمري، وربت أبناءنا أحسن تربية، سكنّا مع الأهل ولم يذكر عنها إلا خيراً؛ حيث كسبت قلوب من حولها، وتركت أثراً طيباً، كانت مثل الابنة البارة لوالدتي -رحمة الله عليهم-، كانت تدعو لها مع والديها، وهذا من حسن العهد، وحسن العهد من الإيمان. كانت حريصة على حضور مجالس الذكر والمحاضرات، عُرفت بشهادة الجميع بصلة رحمها الدائمة، وابتسامتها التي لا تفارق محياها، والتي كانت سبباً لحب الجميع لها، كانت -رحمها الله- كثيرة الدعاء، وتتحرى الأوقات الفاضلة، كانت تقوم ببيتها وأسرتها خير قيام رغم كونها موظفة، وتقوم الليل وتصوم الاثنين والخميس، وكان لها وِرْد من القرآن، وتنفق، وتبذل، وتساند الجميع في الأفراح والأتراح، وأوقفت وقفاً لله، في صحتها -ولله الحمد- وأسست مدرسةً قرآنية لتعليم القرآن والعلوم الشرعية خارج المملكة وبنت مسجداً، كذلك كانت معلمة رياضيات متميزة، شاركت في إعداد مناهج الرياضيات في وزارة التعليم من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وكانت حريصة على تضمين القيم في المناهج. تقاعدت مبكراً لتتفرغ لحفظ القرآن الكريم وتعليمه من اثني عشر عاماً، فكان مصحفها لا يفارقها حتى حفظته عن ظهر قلب، وكان القرآن لها صاحباً؛ ومن محبتها له، كانت ترشد من تعرف بالانضمام إلى دور التحفيظ، وكان لها ذلك ولله الحمد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه)، كانت تستقبل ضيوفي دائماً بترحاب، وتعد لهم الضيافة بأكمل وجه، وفي مناسبات الآخرين كان لها مبادرات تذكر وتشكر. في مرضها كانت صابرةً حامدةً لله، لا تشتكي أبداً، وعندما كانت تقول: "دعواتكم"، كنت أعلم أنها متعبة جداً، ورغم مرضها، وأخْذها لجرعات الكيماوي، لم تتوقف عن ديدنها في المراجعة والتسميع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أرادَ اللَّه بعبدٍ خيرًا استعملَهُ. فقيلَ: كيفَ يستعملُهُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: يوفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ). أيضاً لم تتوقف عن مشاركة الجميع أفراحهم وأتراحهم برسائلها، وفي آخر أيامها أوصت أبناءها قائلة: (الله الله بالصلاة، وبِرّ والدكم وصلة رحمكم)، قبل وفاتها بيوم، رغم المسكنات القوية، طلبت من ابنها قراءة سورة الرحمن، وكانت ترد عليه بعض الآيات، حين وفاتها كانت تكثر الذكر؛ حتى لم يُشعر بوفاتها من حولها، وارتفعت سبّابتها. كانت جنازتها مشهودة، حضرها جمع غفير، وفي العزاء أثنى عليها الجميع من طالبات، وزميلات، وجيران، وأقارب، وأحباب، رحمها الله رحمةً واسعة، وجعل ما قدَّمت في ميزان حسناتها، وأسأل الله أن يجمعني بها، ووالديّ، وذرّيتي، وأحبابنا في الفردوس الأعلى من الجنة.