بشجاعته الفريدة وتضحيته بنفسه يمثل ماهر فهد الدلبحي المعدن النفيس لشباب المملكة الذين يحملون جينات الفداء والتضحية، وإيثار الآخرين على أنفسهم، حيث قاد شاحنة مشتعلة داخل محطة وقود إلى خارج المحطة فكان سبباً في إنقاذ الأرواح والممتلكات، وليست تضحية الدلبحي سوى صفحة في هذا الدفتر المليء بالمواقف الشجاعة. في 2011م حدثت أزمة فوكوشيما في اليابان، والتي كان سببها زلزال وتسونامي توهوكو القويين، وفي ذلك الوقت كان يقطن سبعة طلاب سعوديون مدينة سينداي القريبة من مركز الزلزال، ونتيجة توقف القطارات وتأثر الطرق فقد استغرق إنقاذهم عدة أيام، ثم فوجئوا بالمسؤولين اليابانيين يحاولون تخفيف الأزمة عنهم بأن اقتسموا معهم الأكل والشراب وراحوا يعتذرون لهم عن الهلع الذي أصابهم بسبب الزلزال، فكيف رد شبابنا السعودي على هذه اللفتة الكريمة؟ عندما عزم الطلاب على مغادرة المدينة وجدوا عوائل عربية ومسلمة انقطعت بها السبل فقرروا البقاء وإيثار تلك العوائل لمغادرة المدينة قبلهم، وانتظروا حتى تأتي النجدة من جديد، ولم يتوقف الأمر هنا، بل قام الشباب السعوديون بتسليم مفاتيح منازلهم لمسؤول معهد اللغة الذي كانوا يدرسون فيه ليسكنها اليابانيون الذين فقدوا بيوتهم نتيجة الأمواج العاتية، وبعد الأزمة بأسابيع بدأ شباب سعوديون عبر جامعاتهم بالمشاركة في الأعمال التطوعية لمساعدة المنكوبين من خلال تثبيت ألواح شمسية على البيوت المؤقتة ومعالجة آثار التسونامي. وسط الثلوج هناك قصة أخرى بطلها المبتعث محمد السهلي، الذي يدرس علوم الحساب بتخصص الجرائم المعلوماتية، حكاها لقناة "العربية" بقوله: خلال طريقنا أنا وصديقي لشراء مؤنة خوفاً من شح الطعام بسبب العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة، رأينا سيدة في حالة حرجة وسط الثلوج والطقس شديد البرودة، وكان أغلب المارة يعرضون خدماتهم بمبلغ مالي باهظ الثمن، وكانت السيدة الأميركية لا تستطيع تحمل التكاليف، وعندها عرضنا عليها المساعدة بدون مقابل مالي، كانت متفاجئة جداً من المبادرة، وأثناء مساعدتها كانت تبكي وتشكرنا وتكرر علينا السؤال عن سبب تقديمنا للخدمة، وكانت إجابتنا أن هذه من مبادئ ديننا الإسلامي الذي نشأنا عليه، فهو يحثنا على التعاون والمساعدة، وبعد الانتهاء أصرت علينا أن نزور المطعم الذي تعمل فيه، وتقدم لنا الضيافة مقابل مساعدتنا لها. إنقاذ من الغرق وفي مدينة ملبورن الأسترالية قام الطالب السعودي المبتعث أحمد المحيميد بالمخاطرة بحياته لإنقاذ شخص من الغرق، وروى الطالب تفاصيل الحادثة، مشيراً الى أنه كان في نزهة مع أصدقائه حول نهر الدوكلاند في مدينة ملبورن، وفي حوالي الساعة التاسعة مساء سمع صوتاً يطلب المساعدة، وعند ذهابه لمصدر الصوت وجد شخصاً في وسط النهر يطلب النجدة، ولم يتردد الطالب في القفز في النهر والسباحة باتجاه الشخص الغريق لإنقاذه بالرغم من وجود سمك القرش في المنطقة، وقام بسحب الشخص لبر الأمان. اشتعال شقة وفي مدينة هيوستن أنقذ المبتعث عبدالله الظفيري -مبتعث سعودي في مدينة هيوستن- عائلة أميركية من الموت حرقاً، عقب اشتعال شقتهم في مجمع سكني؛ لعدم قدرتهم على الخروج منها، إلى أن تمكّن المبتعث من فتح الباب لهم، وتمكنوا من الهروب إلى خارج المبنى السكني. وروى الظفيري أنه كان في منزله حين شاهد دخاناً يطير في الهواء من شقة أحد جيرانه وهم أسرة أميركية؛ فقام على الفور بالاقتراب من الشرفة للتأكد من الوضع؛ فاتضح أن هناك حريقاً؛ إلا أن الأسرة لم تنتبه إليه، مضيفاً أنه قام بإبلاغ الدفاع المدني، وتوجه إلى الشقة، وقام بطرق الباب عدة مرات، وحاول لفت الانتباه؛ إلاّ أنه لم تكن هناك أية استجابة؛ مما اضطره إلى كسر الباب بكل قوته؛ حيث شاهد الأسرة الأميركية تُهرول إلى الخارج، بعد أن تفاجأت بالنيران. وسيطرت سيارات الدفاع المدني على الحريق عقب مجيئها، ومن جهتها، عبّرت الأسرة عن سعادتها وشكرها للمبتعث السعودي لإنقاذ حياتهم؛ مؤكدين أن حياتهم كانت رهينة الحريق لولا مخاطرته بنفسه. ضاعوا بالصحراء وتمكن المواطن "أبو مقبل" من إنقاذ مغتربين سودانيين، تقطعت بهم السبل في صحراء نفود منطقة حائل، وقال المنا أحمد -قريب أحد التائهين-: إن شقيقه وصاحبه ظلّا يسيران على أقدامهما لمدة يومين كاملين في صحراء شمال حائل، وتمكن مواطن يدعى "أبو مقبل" من العثور على شقيقه وصديقه، بعد محاولات الطيران الأمني للبحث عنهم دون جدوى. اندفاع بشجاعة وعلى طريق ثرمداء – القصب فوجئ المواطن عبدالرحمن إبراهيم الفضل بنار مشتعلة في سيارة وبداخلها شاب صغير عاجز عن الحركة، وبدون تفكير اندفع الفضل نحو السيارة المشتعلة غير آبه بالخطر، وفتح الباب الخلفي، وانتشل الشاب يوسف المسعد من وسط اللهب، حاملاً إياه بعيدًا عن الموت المحقق، وقال بعض من شاهدوا الحادث: إن بضع ثواني من التأخير كانت كفيلة بوقوع الكارثة، فيما قال الفضل: إنه لم يخف من النيران فإما أن ينقذ الشاب أو يستشهدا سويًا، هذه بعض القصص التي تبرهن على أخلاق ومبادئ المجتمع السعودي المحب للآخرين، والمتعايش مع الجميع، والذي لا يدخر ما بوسعه للمساعدة دون انتظار المقابل. ماهر الدلبحي أحمد المحيميد عبدالرحمن الفضل محمد السهلي