في أول حوار صحفي له منذ توليه المنصب، يتحدث الدكتور محمد حسن علوان، الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية، عن أبرز ملامح التحول الذي يشهده قطاع المسرح والفنون الأدائية، والتحديات التي تواجه الممارسين فيه على مختلف مراحل الإنتاج، ورؤية الهيئة لمستقبل الحراك المسرحي والأدائي في السعودية. يتناول الحوار الخطط الاستراتيجية التي تضعها الهيئة لترسيخ دور قطاع المسرح والفنون الأدائية في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للثقافة المستمدة من رؤية المملكة 2030، وكيف تركز هذه الخطط على عناصر الاستدامة المهنية، والشراكات الوطنية، والبنى التحتية، وتطوير تجربتي الممارس والمستفيد، في مختلف مناطق المملكة. إحياء مهرجان الطفل والشباب والمونودراما ضمن تقويم وطني دعم استدامة الحراك المسرحي.. * أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «ستار» الذي يقدم الدعم المادي واللوجستي للفرق المسرحية لإنتاج الأعمال المسرحية، إلا أن هذا الدعم محدود بمسرحية واحدة لكل فرقة خلال العام الواحد، رغم أن بعض الفرق المسرحية تملك القدرات الفنية والإنتاجية لإنتاج أكثر من مسرحية.. لماذا؟ * حصر الدعم بمسرحية واحدة لكل فرقة هو ضرورة تنظيمية تهدف لتوسيع دائرة هذا الدعم ليشمل جميع الفرق المتقدمة، خاصة مع تزايد أعداد هذه الفرق المسرحية وتنوع أعمالها. وتسعى الهيئة من خلال هذا الحصر إلى تشجيع الفرق المسرحية على تجويد الأعمال التي ينتجونها ومواكبة طلب الجمهور، سعياً إلى تحقيق مستوى من النضج الفني والإداري يؤدي إلى تحقيق عوائد ذاتية توازي دعم الهيئة أو تغنيها عنه. لا شك بأن الدعم الحكومي للعمل المسرحي هو حاجة ملحة لتحقيق التوازن المطلوب بين تكلفة الإنتاج والعوائد المتوقعة، ويتم تقديمه لضمان استمرار النشاط المسرحي وتطوير المواهب وازدهار المشهد الثقافي، ولكن يجب أن يكون الدعم مدروساً ومقنناً بحيث لا يخلق ذهنية اتكالية تتجاهل شباك التذاكر وتوجهات الجمهور وميوله أو تخلق حاجزاً عازلاً بين الممارس والمشاهد، هنا يتحول الدعم من حافز للإجادة إلى عكسه. بالتأكيد أن الطاقة الإنتاجية تتفاوت بين الفرق المسرحية، وقد تطوّر الهيئة لاحقاً آلية تسمح لدعم أكثر من مسرحية وفق شروط محددة تأخذ في الاعتبار الخطط التي وضعتها الفرقة المسرحية لتحقيق الاكتفاء الذاتي تدريجياً من شباك التذاكر، والتي تؤكد للهيئة أن الفرقة تسعى بدأب نحو الاحترافية المهنية والعمل الدؤوب نحو تحقيق الاستدامة المالية والتطور الفني، وليس الاعتماد المطلق على الدعم الحكومي. * أصبحت العروض المسرحية محدودة بالمهرجانات فقط، هل هناك توجه لوضع آلية تضمن استمراريتها؟ * تعمل الهيئة على الحد من موسمية المسرحيات بشكل عام وتوفير عروض مسرحية طوال السنة وفي مختلف المناطق. حيث بدأنا بإطلاق «جولة المسرح» بالتعاون مع جمعية المسرح والفنون الأدائية كخطوة أولى لتقديم العروض الفائزة من مهرجان الرياض للمسرح في مناطق متعددة بالمملكة، كما دعمنا بعض المشاركات الدولية التي ساعدت على استمرار العديد من الأعمال المسرحية بعد انتهاء المهرجانات، نعمل أيضاً على تطوير النسخة الثالثة من «حاضنة المسرح» لتدريب الفرق المسرحية على العمل ضمن نموذج إنتاجي مستمر ومهني واحترافي، حيث إن الحاضنة لا تركز على الإنتاج فقط، بل أيضًا على مهارات التسويق والإدارة المالية وإدارة الحشود وبناء الشراكات التشغيلية مع الجهات المستضيفة. البنية التحتية وتكاليف الإنتاج.. * يعاني المسرحيون من قلة المسارح المناسبة في عدد من المناطق، وارتفاع تكاليف الإيجار خاصة بعد إعلان وجود دعم، ما دور الهيئة في معالجة هذا التحدي؟ * تشكل محدودية البنية التحتية للمسارح التحدي الأبرز لقطاع المسرح في المملكة، وقد رصدنا تأثير ذلك على النشاط المسرحي لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية الأقل، وتجاوز هذا التحدي وضعت الهيئة جملة من الخطط ضمن مسارين متوازيين. المسار الأول يركز على التعاون مع الجهات الحكومية المختلفة التي تملك مسارح لإتاحتها للممارسين في مختلف مناطق المملكة، لا سيما مع انخفاض نسبة إشغال هذه المسارح وانحصارها في فعاليات موسمية لأوقات قصيرة، ويشمل هذا التعاون ترميم هذه المسارح أو تجهيزها بالتقنيات الحديثة إذا تطلب الأمر. المسار الثاني يركز على تطوير نماذج استثمارية مع القطاع الخاص لتغطية الطلب على المسارح، لا سيما في المدن والمحافظات الصغيرة. المهرجانات والمشاركات الدولية.. * توقفت مهرجانات مسرحية مهمة مثل: مهرجان مسرح الطفل، ومهرجان مسرح الشباب، ومهرجان المونودراما. ما مستقبل هذه الفعاليات؟ * هذه المهرجانات توقفت لأسباب تنظيمية مؤقتة واكبت إنشاء كيانات جديدة وما يستدعيه ذلك من نقل للاختصاصات ومراجعة لنطاقات العمل، وغير ذلك، ولكن الهيئة تقدر الأدوار الفاعلة التي قامت بها هذه المهرجانات في السابق، وتسعى لإحيائها من جديد ضمن تقويم وطني شامل، وستنطلق -بإذن الله- نسخ مطورة من هذه المهرجانات في مناطق مختلفة من المملكة ضمن خطة تضمن استدامتها السنوية، وذلك بالتعاون مع القطاع غير الربحي، سواءً الكيانات حديثة التأسيس مثل: جمعية المسرح والفنون الأدائية، أو الكيانات السابقة مثل: جمعية الثقافة والفنون، التي لعبت دوراً تاريخياً كبيراً في تنشيط الحراك المسرحي السعودي لعقود. * لوحظ ضعف في دعم المشاركات الخارجية والخدمات اللوجستية المصاحبة، هل هناك مراجعة لهذه السياسة؟ * نعم، يوجد مراجعة تأخذ في الاعتبار عدة أمور. أولها، ضرورة أن يكون التمثيل المسرحي للمملكة في الخارج لائقاً بمكانة المملكة ومشهدها الثقافي المتجدد. وثانيها، حصر الدعم المقدم للمشاركات الخارجية على مهرجانات وفعاليات ذات عراقة فنية وثقافية عالية تسهم في تحقيق الأثر المنشود من المشاركة، وثالثها، تطوير نموذج يحقق أعلى معايير الكفاءة المالية واللوجستية في تقديم الدعم. وستطلق الهيئة قريباً دليلاً شاملاً لآليات تقديم الدعم للمشاركات الخارجية يوضح كل ما يتعلق بهذا الشأن من آلية التقدم بطلب الدعم، واختيار الأعمال، وتقييم المهرجان، والتنسيق مع الجهات الخارجية، وكافة الشؤون اللوجستية الأخرى المتعلقة بالسفر والشحن وغيرها. التدريب والتأهيل المسرحي.. * يرى بعض المسرحيين أن الدورات التدريبية التي أقامتها الهيئة لا تحقق الأثر المتوقع، وقد يكون ذلك بسبب اختيار مدربين لا يملكون خبرات كافية في مجالات المسرح، ما تعليقكم على هذا؟ * جميع البرامج التدريبية التي تقدمها الهيئة تخضع لمراجعة شاملة حالياً، ليس فيما يتعلق باختيار المدربين فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تصميم الدورة، وأدوات التدريب، وغيرها، وذلك استجابة لحاجة القطاع الماسّة إلى تطوير المواهب وتنمية القدرات. وسنأخذ في الاعتبار، ليس السير الذاتية والخبرات التراكمية للمدربين فقط، بل أيضاً مهارات إيصال المعلومة وتحفيز المتدرب. وستكون هناك آلية لقياس الأثر والتغذية الراجعة من المتدربين بشكل دوري واستخدام هذه المعلومات لتطوير الدورات التدريبية بشكل مستمر. * المستفيدون من الدورات التدريبية يعانون من غياب التمكين بعد التخرج، هل هناك برامج لاستيعابهم في المشاريع المسرحية؟ * لدينا إحصائيات إيجابية حول نسبة المتدربين الذين سلكوا طريقاً ناجحاً بعد استفادتهم من الدورات التدريبية لا سيما مبادرة «العمل والتعلم». ونطمح في الهيئة إلى زيادة هذه النسبة عبر عدة مبادرات مثل: «حاضنة المسرح»، و»منصة ستار»، و»مهرجان الرياض للمسرح»، لتكون بيئة داعمة مكملة للبرامج التدريبية وتساعد على تنمية القدرات وبناء الخبرات في مختلف مجالات المسرح. كما نشجع الفرق المسرحية القائمة على الاطلاع على مواهب خريجي البرامج التدريبية واحتضان هذه المواهب الواعدة، ونشجع الخريجين أيضاً على تأسيس فرقهم المسرحية الخاصة وخوض هذا التحدي الإبداعي الجميل. * قد يختلف الاحتياج التدريبي من منطقة إلى أخرى، هل تتبنى الهيئة سياسة تدريب مخصصة لكل منطقة؟ * تتيح الهيئة الفرص التدريبية في جميع مناطق المملكة بشكل عام ولكن في الوقت نفسه نسعى لتطبيق نموذج «الاحتياج الموجّه» بحيث تُصمّم بعض الورش بناءً على دراسة واقع الممارسة المسرحية في كل منطقة، ومستوى الخبرة، ونوعية المهارات المطلوبة والعمل عليها. تنظيم البرامج والدعم المالي.. * واجه المستفيدون من برنامج «ستار» تأخراً في استلام الدعم المخصص لهم وبطء في الرد على الاستفسارات، ما أسباب ذلك؟ * هذا التأخر كان بسبب تقاطع إجراءات الصرف بين أكثر من جهة تنظيمية ومالية، وتعتزم الهيئة ألا يتكرر ذلك في الدورات القادمة من برنامج «ستار»، وقد عمل فريق الدعم خلال الأشهر الماضية على تطوير دورة الإجراءات وتحسين تجربة المستفيد، وسيتم إطلاق بوابة إلكترونية موحدة للاستعلام والتحديث والمتابعة. وبإذن الله ستكون الدورات المقبلة من البرنامج أكثر استجابة لتطلعات المستفيدين، وأكثر احترافية في توجيه الدعم. * يشكو المسرحيون من عدم وضوح اشتراطات الدعم، وعدم مرونة تحويل البنود، هل من مراجعة لآليات الصرف؟ * لاحظنا وجود تفاوت بين المستفيدين من برامج الدعم من حيث الخبرة في إدارة التدفقات المالية والأنظمة المرتبطة بها. ولحل هذا الإشكال أعدنا صياغة ضوابط الدعم لتكون أكثر وضوحًا مع تبسيط نماذج التحويل بين البنود، وتحديث معايير التقييم، ونعمل حاليًا على إصدار دليل دعم محدّث يوضّح البنود القابلة للتعديل وآليات التقديم بشكل تفصيلي. * كيف تتعامل هيئة المسرح والفنون الأدائية مع الحسابات الضريبية التي تواجه الفرق المسرحية ضمن برامجها؟ * الحسابات الضريبية هي مثال على ما ورد في إجابة السؤال السابق، فالامتثال الضريبي شكّل تحدياً جديداً لبعض الفرق المسرحية التي لا تملك خبرات سابقة في الإدارة المالية، ولعلاج ذلك طورنا حزمتين من الحلول المؤقتة والدائمة. المؤقتة تتمثل في تقديم الدعم الإرشادي وتطبيق سياسات مرنة تراعي تنوع النماذج التشغيلية، والدائمة تتمثل في التنسيق مع الجهات التنظيمية الأخرى لإيجاد آلية مرنة وسهلة تمكن الفرق المسرحية من تحقيق الامتثال الضريبي دون تحمل أعباء تعيقها عن نشاطها الإبداعي. التوثيق والانتشار الإعلامي.. * لماذا لا تُعرض الأعمال المسرحية المدعومة على التلفزيون أو المنصات الرقمية؟ * لم يكن هناك من يربط بين الأعمال المسرحية المدعومة وشركات الإنتاج التلفزيوني والمنصات الرقمية، لاحظنا هذه الفرصة غير المستغلة فعلياً وبدأنا في التنسيق مع عدد من المنصات الرقمية والقنوات التلفزيونية لبث عروض مختارة من الأعمال المدعومة، وسيتم الإعلان قريبًا عن أول شراكة في هذا الإطار، بهدف توسيع دائرة الوصول للجمهور، وتعزيز الأرشفة الرقمية للأعمال المسرحية السعودية. * هل هناك توجه لطباعة النصوص المسرحية وعرضها كإصدارات أدبية؟ * نعم، وسيكون ذلك ضمن «مسابقة التأليف المسرحي»، حيث سنقوم بطباعة مجموعة من النصوص الفائزة بالتعاون مع دور نشر مختصة، وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية شاملة لتوثيق الحركة المسرحية، نهدف من خلالها إلى حفظ النصوص، وتحويلها إلى مراجع يمكن البناء عليها مستقبلاً. تطوير الفنون الأدائية.. * هناك شكاوى من ضعف أداء بعض فرق الفنون الشعبية وعدم وضوح هويتها الفنية، ما دور الهيئة في تحسين هذه الصورة؟ * ككل مجال إبداعي، تتفاوت مستويات الأداء بين الممارسين، وفرق الفنون الشعبية ليست بمنأى عن ذلك. ثمة فُرق حرصت على تطوير أدائها وتنويع ألوانها الأدائية وتسويق خدماتها بشكل جيد، وثمة فرق أخرى ما زلت بحاجة إلى تطوير ذلك. يكمن دور الهيئة في ثلاثة أمور رئيسة: الأول، تمكين فرق الفنون الشعبية من تحقيق الاستدامة المالية عن طريق التشريعات المناسبة والمنصات التسويقية التي تحفز الفرق على المنافسة فيما بينها. الثاني، مساعدة الفرق الشعبية على تطوير أدائها عن طريق الاستفادة من برامج التدريب المستمرة التي تتناول عدة جوانب من تحسين الأداء، وضبط الهوية البصرية، وتوثيق الألحان والحركات. الثالث، الحفاظ على الهوية التراثية للفنون الأدائية الشعبية وحمايتها من الاندثار أو الخروج عن الثقافة الرصينة، وذلك عن طريق برامج التوثيق الكبرى مثل برنامج «طروق» الذي نعمل عليه معاً بالتعاون مع هيئة الموسيقى. صلاح القرني