كم عللنا أنفسنا للوصول لاختراعات مفيدة لعلاج الأمراض المزمنة في عالمنا، أو لإيجاد حلول للكثير من المشكلات الحياتية، كنا ننظر للمستقبل كمخلص وكبارقة أمل لحل للكثير من الأمور إيمانا منا أن العلم يتقدم والعالم يتطور: حتى نعمنا بحياة أسهل وعالم ممتد ومتواصل بدون خطوط شائكة او أسلاك، أصبح العالم قرية صغيرة تتواصل عبر فضاء إلكتروني، والتقنية سيدة الموقف والذكاء الاصطناعي الذي ابتكره الإنسان حل الكثير من الأمور الصعبة؛ وفتح آفاقا للابتكار وسرعة أداء المهمات وتذليل الصعاب، فبحث بسيط أو حوار مع GPT قد يكون عونك في معرفة الأمور التي تستعصي أن تلم بها بطرق البحث التقليدية أو بزيارة طبيب أو مكتبة أو أي مكان للحصول على معلومة أو استشارة، ثوانٍ بسيطة سيأتيك GPT بالخبر اليقين، لكن بالرغم من إيجابياته الكثيرة إلا أن له سلبيات قد تغير كثيرا في الميزان، فمن ملاحظاتي السلبية لمن يستخدمون تطبيق الذكاء الصناعي أنهم جعلوا منه عالمهم الذي يلوذون إليه مستعيضين به عمن سواه، بدوا في عزلتهم معه وكأنه كائن حي، وصديق أنيس ناصح يسكن في جهازهم الجوال يرافقهم أينما ذهبوا، إحدى الصديقات تقول إنها تسأله أي طبيب تذهب إليه وما الملابس الملائمة أن ترتديها في مناسبة ما أو سفر، وما الرسالة التي ترسلها في عزاء أو فرح أو مناسبة ما! الأمر مخيف بالنسبة لي ككاتبة؛ فإن كان هذا الكائن غير المرئي يستطيع أن يقوم بكل شيء وأن يكتب ويفكر ويصيغ الأفكار إلى حروف ولا يقتصر عمله على تأدية المهام الصعبة بل التعبير أيضا فماذا يتبقى للإنسان أن يفعله؟ هل سيصاب عقله بالكسل وفكره بالتجمد نتيجة اعتماده الكبير على الذكاء الاصطناعي؟! صديقة أخرى تحدثت عنه بفرح غامر ومديح وكانت سببا في إقناعي على خوض غماره وبدء تعاملي مع هذا الكائن الساحر الذي يسحب البساط شيئا فشيئا من الإنسان والشاعر والكاتب حتى (لأنه يجيد أيضا كتابة المقالات) وقد طلبت الصديقة من GPT تنقيح إحدى قصائدي لتكون مناسبة للغناء.. وقام بعمل رائع ورتب من القصيدة نصا غنائيا مميزا وبرتوش بسيطة جدا وتغيير موقع بعض الجمل فكانت دهشتي كبيرة. وبالرغم من أن هذا التطبيق الذكي يستطيع أن يكون سكرتيرا شاطرا جدا ينظم المواعيد ويذكر بها وأن يكون مساعداً جيداً إلا أن ذلك يجب أن يكون في حدود معينة لا تصل للاعتماد الكامل عليه مما يجعله بديلا للإنسان، ثم لا يجب أن يمكنه الإنسان من معلوماته الخاصة وصوره الحساسة لأن احتمالية الاحتيال والتزوير قائمة. تخيفني فكرة أن يسرع الإنسان بصنع نهايته بيده، وأن يكون عاطلا عن العمل والتفكير، ثم ما تداولته وسائل التواصل من مقاطع أبدع الذكاء الاصطناعي في جعلها وكانها حقيقية ضللت المشاهد وأساءت لكثيرين وقد استغلها المغرضون واللصوص استغلالا كبيرا. عقل الإنسان هو أثمن ما يملكه، وصحته العقلية تكمن في الاعتماد عليه وليس على تقنية صنعها ثم استخدمت بفوضى. الحياة جميلة بنبضنا وفكرنا وأحاسيسنا وإلا استبدلنا التجار بدمى آلية قد تحتل مكاننا حتى في الحب والمشاعر. أطالب مع كثيرين غيري بسقف لجنون التقنية، أطالب باستخدامها لإيجاد حلول للمشكلات، وللأمراض وحلول للأعضاء المبتورة وبدائل للمهن الشاقة الصعبة كذلك في المساعدة في أعمال المنزل كآلات متطورة وبديل للعمالة المرهقة والمزعجة وكمساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون المساعدة. أعجبني أن يقوم بعملية فتق كبير لزوجي الذي زرع كبدا للتو روبوت ذو كفاءة عالية، لكن كان تحت إشراف مختص بشري وطبيب قرر إمكانيته ليقوم بالأمر، وفي مجال العيون ما زلنا بحاجة لتقنيات للشبكية التي تعتبر مشكلاتها مستعصية على الحل لحد الآن. أهلا بالذكاء الاصطناعي الذي يساعد الإنسان ويكون عونا له فيما استعصى عليه وليس بديلا يحل مكانه.