في هذه الزاوية سيأخذنا الدكتور عبدالله الأسمري الأكاديمي بجامعة الملك سعود حاصل شهادة الدكتوراة من جامعة ميماس الحكومية بولاية تينيسي الأميركية. مهتم بالترجمة والقراءة له عدة كتب مترجمة منشورة، إلى عوالم القراءة والرواية من خلال ما أطلع عليه مؤخرا وتوصي بقراءتها. على قيد الحياة. رواية للأديب الصيني يو هوا هذه الرواية للمتعبين الذين أنهكتهم النكسات، وطحنتهم الرزايا، وأدمت قلوبهم الفواجع، وتسلطت عليهم الخيبات. إنها تدريب عملي على تحمل قسوة الأيام، ومكابدة صروف الليالي، ومجابهة البؤس الذي يجثم على الصدور فيحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق. تحكي هذه الرواية قصة «فقوي» الشاب الصيني الذي ولد في اسرة ارستقراطية باذخة الثراء إذ كان يُحمل على الأعناق عندما يغشى الأسواق والحانات، لكن صروف الزمان وسرعة تقلب الأيام هوت به إلى وهدة الفقر والعوز والفاقة. يقدم لنا «فقوي» درساً من دروس الحكماء وهو أن أمضى سلاح نشهره في وجه تلك الظروف الطاحنة هما الصبر والأمل، جناحان نطير بهما فيصبح للحياة معنى وللعيش مغزى. على قيد الحياة عمل إبداعي ينتمي إلى الأدب الرفيع الذي يسمو بالقارئ عالياً. الأيام لطه حسين نَدرَ أن يجتمع في سيرةٍ من السّيرْ بلاغة الأسلوب، وحُسن السَبْك، وعذوبة اللفظ، واتساق القصّ، وتداعي الأحداث كما اجتمعت في «الأيام» لطه حسين. إذا كان القارئ يروم البحث عن أنموذج فريد لشخصية فريدة فسيجد في الأيام ما يلهم مخيلته، ويلهب مشاعره، ويحشد طاقته، ويحفز قواه، كي يواجه الحياة بإرادة لا تنكسر، وصبر لا يذوي، وعزيمة لا تلين. أما إذا كان ينوي البحث عن نص بديع يجد فيه حكمة شاردة، وعبارة أخاذة، وموقف إنساني نبيل، ومفارقة هزلية، فسيجد ذلك أيضاً في «الأيام». باختصار شديد فإن هذه السيرة متجاوزة لحدود الزمان والمكان فلقراء يطربون لها في كل ارجاء العالم العربي وعلى مر العصور وتتابع الدهور. ولعل القارئ قبل أن يشرع في القراءة أن يضع نصب عينيه هذا السؤال: كيف استطاع هذا الشاب الفقير الضرير المولود في ريف من الإرياف البعيدة عن المراكز الحضرية أن يصبح اسماً لامعاً في دنيا الأدب ويتسنم رايته ويحوز لقباً يستحقه وهو «عميد الأدب العربي»؟ كتاب «الإلمام بالحقيقة» لكل من هانز روزلنغ، و أولا رزولنغ وآنا روزلنغ Factfulness ثمّة مقياس أقيس به جودة الكتاب، وعمق أفكاره، وعِظَم الرؤى الواردة فيه. إنني أقيس ذلك بما بقي في ذهني من أفكار الكتاب بعد مدة من الزمن من قراءته، فإن بقي في الذاكرة شيء، اطمأننت أن الكتاب مفيد جداً؛ وإن تلاشى من الذاكرة ولم يبق فيها شيء منه، عرفت أن الكتاب متواضع في أفكاره، ووسط في رؤاه ومفاهيمه. كتاب «الحقائق التامة» من الصنف الذي يستوطن الذاكرة ذلك لأنه يهز القناعات التي استقرت في اذهاننا هزاً عميقاً. عند مشاهدة التلفاز -أو أي وسيط آخر- يتخيل الإنسان أن العالم على شفا الهاوية حيث الحروب المستعرة، والصراعات المتأججة، والأمراض الفتاكة، والجهالة المستشرية، والفقر المدقع، وغيرها الكثير. لكن الكتاب يقدم صورة أخرى تؤيدها الإحصاءات الرسمية، والتقارير الموثوقة والتي تشي بأن الأمر على غير تلك الصورة . الليالي الزرقاء لجون ديدين عندما يختطف الموت -الذي وصفه المتنبي خير وصف بالسارق الذي دقَّ شخصه- عزيزاً علينا، يعتصر الألم قلوبنا، وتجللنا سحابة من الأسى والحزن، ويبقى أثر ذلك جرحاً في الوجدان لا يندمل، وأسىً يستوطن النفس لا يزول. تمر الأيام بطيئة ثقيلة، حيث تعج الذاكرة بصور عن هذا الذي ألفناه وقد ولّى وذهب، وذاك الذي تسامرنا معه وصحبناه وقد رحل ولن يعود. هذا ما أحسّت به الكاتبة الكبيرة «جون ديدين» عندما رحلت ابنتها بعد مرض لم يمهلها كثيراً. لكن ديدين كاتبة متمرسة اتخذت من الكتابة ملاذاً، ومن الكلمة درعاً تعتمره في مجابهة الخطوب. وقع في يدي كتابها «الليالي الزرقاء» قبل عقد من الزمن عندما أبتعث إلى جامعة ميمفس الوطنية، في ولاية تينيسي الأميركية، وقد تملكتني الدهشة من شدة احتفاء ديدين بالتفاصيل البسيطة وقدرتها على سرد «العادي» و «المألوف» في حياة الناس بأسلوب جميل لا تكلف فيه فكتاباتها تكاد تكون خالية من المحسنات اللفظية، والصور البلاغية، والتراكيب المجازية. علم الأعصاب ومشاعر الإنسان الأربع: الغضب، والحب، والبهجة، والأسى. للطبيب جيوفاني فرازيتو لو وضعنا مشاعر الإنسان كلها -سواء تلك التي تغشاه في ساعة فرحه، أو تلك التي تستبد به حال حزنه- تحت المجهر لوجدنا أننا في طريق تقودنا إلى مقولة التوحيدي الخالدة: «الإنسان أشكل عليه الإنسان». فمع كل تلك الفتوح العلمية المذهلة في ميدان العقل والدماغ، ومع كل تلك التقانة الحديثة التي مكنت العلماء من الإبحار في تلافيف الدماغ دون أن يلج هؤلاء إليه بمشرط الجراح، إلا أن الأمر يزداد غموضاً، ورقعة المجهول تزداد اتساعاً. إن أسئلة مثل: ما الإدراك؟ وما ماهيته؟ وما الوعي؟ وما تمظهراته؟ وما الإرادة وما صورها؟ كل ذلك لا يزال مدار البحث، فدماغ الإنسان «صندوق محكم الإغلاق « لم يبح بعد بأسراره إلا النزر اليسير. لقد استقر في الأذهان أن الإنسان تقوده مشاعر واحاسيس فإن طابت نفسه لشيء عبر عن ذلك بالفرح الغامر، وإن أهمَّه شيء واغتم به بدت عليه علامات ذلك، وكذا الأمر مع الأحاسيس الأخرى كالحب والغضب. يتوسل «جيوفاني» في هذا الكتاب الجميل باللغة والسرد معاً لسبر غور هذا البحر اللُجي الذي ينطوي عليه لفظ المشاعر الإنسانية. ولكي لا تختلط عليه الأمور فقد قرر أن يقتصر هنا على أربع مشاعر هي البهجة، والغضب، والحب، والأسى. يقدم لنا جيوفاني هذه المشاعر في صورة مدهشة حيث تلعب عوامل عديدة في تشكيلها منها الوراثة والبيئة والثقافة المحلية والأطر العامة من قوانين وقواعد مرعية. إنه بحق كتاب مدهش لا أمل من التوصية به والترغيب فيه. د. عبدالله الأسمري