لم يعد الطريق إلى النجاح مرسومًا بخطوط مستقيمة كما في السابق، لسنوات طويلة كانت الوظيفة هي الحلم الآمن، بطاقة عبور إلى الاستقرار المالي والمعيشي، بدخل ثابت ومزايا تأمينية وأمان وظيفي، لكن مع ارتفاع تكاليف الحياة وثبات الرواتب وتباطؤ فرص الترقي، بدأ هذا البريق يخفت شيئًا فشيئًا، المفارقة أن السعوديين قبل عدة عقود كانوا يرون العمل الحر هو القاعدة، والوظيفة مجرد استثناء، كانت الأسواق تعج بالتجار وأصحاب المهن، وكان الاستقلال المالي حلمًا متاحًا عبر بذل الجهد والمغامرة، لا انتظار نهاية الشهر. اليوم صعد نجم ريادة الأعمال من جديد، محملًا بوعود الحرية وتحقيق الذات، التحولات التقنية وثورة التجارة الإلكترونية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أزالت كثيرًا من الحواجز التي كانت تفصل الأفراد عن تأسيس مشاريعهم الخاصة، فاندفع جيل كامل إلى خوض مغامرة العمل الحر، متحمسًا لاحتمالات النمو رغم المخاطر المالية والنفسية التي ترافق الطريق، لكنّ الرهان المطلق على المشروع الخاص قد يحمل وجهًا آخر للعملة، فنجاح رواد الأعمال لا يتحقق دائمًا، والتجارب الفاشلة لا تقل حضورًا عن قصص النجاح المبهرة، كثيرون يقفزون فوق مراحل أساسية مثل اكتساب الخبرة وصقل المهارات وضبط التوقعات، ليجدوا أنفسهم أمام واقع قاسٍ لا يشبه الأحلام. وفي المقابل تراجع جاذبية الوظيفة قد يؤدي إلى عزوف الكفاءات عن القطاعات الحيوية، ما ينعكس على جودة المؤسسات والخدمات، الحل ليس في التخلي عن الوظيفة ولا في الاندفاع الأعمى نحو المشاريع، بل في إيجاد معادلة توازن جديدة، معادلة تعترف بأن الوظيفة قد تكون محطة تأسيسية لاكتساب المهارات وبناء رأس المال، وأن المشروع الخاص يمكن أن يكون الامتداد الطبيعي للطموح عندما تنضج الظروف. اليوم، يقف جيل كامل أمام مفترق طرق: بين الاستقرار والمغامرة، بين الحلم والواقع، لكن ربما يكمن السر في الجمع بين الاثنين، حيث تصبح الوظيفة قاعدة صلبة ينطلق منها الطموح، والمشروع الخاص أفقًا أوسع يحقق الحلم، فلا نفقد الأمان ولا نكبح الطموح.