العمل المشترك بين الهيئة السعودية للملكية الفكرية والهيئة العامة لتنظيم الإعلام يجسّد وعيًا متقدمًا بدور الحماية القانونية الفكريّة في تطوير قطاع الإعلام نحو صناعة إعلاميّة سعوديّة تؤمن أن الإبداع المستدام يبدأ من بيئة تصون الحقوق وتحتفي بالفكرة.. في مشهد تتسارع فيه صناعة الأفكار وتتقاطع فيه المسارات بين الإبداع والتقنية، جاء الدليل الإرشادي الذي أطلقته الأسبوع الماضي الهيئة السعودية للملكية الفكرية بالتعاون مع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام ليضع إطارًا شاملًا يحفظ الحقوق ويعزز حضور المبدعين في القطاع الإعلامي. هذا المرجع المهني صيغ ليواكب بيئة رقمية تتسارع فيها حركة النشر وتزداد فيها التحديات، ويقدم توجيهات واضحة تنظم التعامل مع المصنفات والمواد الإعلامية، وتمنح الممارسين أدوات عملية تقيهم من الوقوع في المخالفات، وتدعمهم في إدارة حقوقهم بثقة ومعرفة، بما يرفع من جودة الإنتاج ويثري بيئة العمل الإعلامي ويمنح السوق محتوى متقنًا يليق بتطلعات الجمهور. يمتد محتوى الدليل ليشمل حقوق المؤلف بكل ما تحمله من أبعاد أدبية ومالية، موضحًا أن المصنف هو نتاج فكري يحظى بحماية شاملة، سواء كان كتابًا أو صورة أو عملًا دراميًا أو مقطعًا سمعيًا بصريًا أو حتى تطبيقًا برمجيًا.. ويبين أن الحماية تمتد لسنوات محددة تختلف باختلاف طبيعة المصنف، مع احتفاظ المؤلف بحقوقه الأدبية مدى الحياة، فلا تزول نسبة العمل إليه أو مكانته كمبدع له. الدليل استعرض كذلك ما يندرج تحت المصنفات المستثناة من الحماية، مثل: الأخبار اليومية أو الوثائق الرسمية، مفسحًا المجال للفهم الدقيق لما هو مباح تداوله وما يستوجب إذنًا أو ترخيصًا، مع الإشارة إلى أهمية وعي الممارس بهذه الفروق في عمله اليومي. والعلامات التجارية باعتبارها عنصرًا أساسيًا في هوية المنتج أو الخدمة، تناولها الدليل بأهمية كبيرة، موضحًا أن تسجيلها يمنح مالكها الحق الحصري في استخدامها، وأن مدة حمايتها قابلة للتجديد، مع ضرورة التأكد من أصالتها قبل الإعلان أو الترويج لأي منتج، وأن الترويج لعلامات مقلدة يعد انتهاكًا مباشرًا للحقوق، داعيًا الممارسين إلى الاستفادة من قاعدة البيانات المتاحة لدى الهيئة للتحقق من الملكية قبل أي استخدام، وبما يضمن ثقة المستهلك في المحتوى أو المنتج الذي يروج له الإعلامي ويعزز مصداقيته. ويمتد الإطار التوعوي للدليل، ليشمل براءات الاختراع والنماذج الصناعية، مبرزًا أن الابتكار سواء في الفكرة التقنية أو التصميم الصناعي يستحق الحماية وفق شروط تضمن حداثته وقابليته للتطبيق وعدم إضراره بالصحة أو البيئة. ويوضح أن الترخيص باستغلال هذه الحقوق أو التصرف فيها يجب أن يتم من خلال عقود رسمية مسجلة لدى الهيئة، بما يحفظ للطرفين حقوقهما ويحدد بدقة طريقة الاستغلال ومدته ومقابله، مع إتاحة هذه العقود كمرجع قانوني عند الحاجة، وبما يحمي استثمارات الطرفين ويضمن استدامة التعاون بينهما. الدليل قدّم تفصيلًا للاستخدامات المشروعة التي يمكن أن تتم دون إذن مسبق من صاحب الحق، مثل: الاستشهاد بمقتطفات لأغراض تعليمية أو بحثية، أو نسخ نسخة احتياطية من برامج الحاسب الآلي، أو نقل محتوى تم نشره في سياق أحداث عامة، مع الالتزام بالشروط التي تضمن عدم الإضرار بالقيمة المادية للمصنف. ويضيف أيضًا أن هناك استخدامات خاصة بالمكتبات العامة ومراكز التوثيق، وإمكانية الاستفادة من المحتوى في الأنشطة المدرسية أو العروض العامة غير الربحية، مما يتيح للممارسين هامشًا مشروعًا للإبداع مع بقاء الحقوق مصونة، ويعكس وعيًا بأهمية الوصول إلى المعرفة دون المساس بحقوق أصحابها. وفي المنعطف نفسه، عزّز الدليل الجانب التطبيقي بخدمات مثل: التسجيل الاختياري للمصنفات، وتسجيل عقود الترخيص، وخدمة التصرف في المصنف، وإيداع براءات الاختراع أو النماذج الصناعية، وهي أدوات تمنح الممارس ضمانًا قانونيًا وتوثيقًا رسميًا لأي تعاملات تتعلق بحقوقه. وتمنحه هذه الخدمات أيضًا القدرة على إثبات ملكيته أمام الجهات القضائية أو عند حدوث نزاع، مما يرفع من مستوى الثقة بينه وبين شركائه أو عملائه، ويجعله أكثر قدرة على الدخول في شراكات إعلامية أو تجارية وفق أسس مهنية راسخة، ويتيح له فرصًا أوسع للتوسع والنمو في أسواق متعددة. هذا العمل المشترك بين الهيئة السعودية للملكية الفكرية والهيئة العامة لتنظيم الإعلام يجسّد وعيًا متقدمًا بدور الحماية القانونية الفكريّة في تطوير صناعة الإعلام، ويؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها احترام الحقوق جزءًا من هوية المهنة، وتربط بين المعرفة والإبداع، وتمنح الممارسين فرصة للنمو في بيئة تحترم جهدهم وتقدر إنتاجهم، وتدفعهم إلى التميز في صناعة إعلامية سعودية قادرة على المنافسة، ومؤهلة لتكون أنموذجًا في التوازن بين الابتكار وصون الحقوق، ومصدر إلهام لكل من يؤمن أن الإبداع المستدام يبدأ من بيئة تصون الحقوق وتحتفي بالفكرة.