لم يكن التغيير الذي لمسناه في حياتنا اليومية مجرّد تحديث أنظمة، أو إطلاق تطبيقات، بل كان تحوّلاً هادئًا وعميقًا في الطريقة التي نرى بها "الخدمة" و"الوقت". بالأمس كنا نرتّب يومنا حول زيارة لمكتب حكومي، نتحضّر لقائمة انتظار، وربما نؤجل مشاغلنا كي نكمل توقيعًا أو ختمًا. أما اليوم، فيكفي أن نحرّك أصابعنا على شاشة صغيرة، ليتحرّك نظامٌ كامل في الخلفية ينجز، ويتكامل، ويصل إلينا دون ضجيج، مما ساهم في تحقيق جودة الحياة للمجتمع. هذا ليس تسهيلًا تقنيًا فحسب، بل هو احترام حقيقي للإنسان، لعمره، لطموحه، ولأولوياته. التحوّل الرقمي الذي تقوده السعودية لم يكن ترفًا إداريًا أو تطورًا شكليًا، بل ضرورة وُلدت من رحم رؤيةٍ قررت أن لا تُجامل التراخي، ولا تقبل بتجارب مستهلكة. رؤية أرادت أن تُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والخدمة، بأن تجعلها أقرب، أسرع، وأكثر كفاءة. لم نعد نقطع المسافات إلى المكاتب والجهات، بل صارت الخدمات تطرق أبوابنا، وتنجز أعمالنا حيث نحن. في الجيب، في الجوال، في منصة موحدة، في هوية رقمية تُغني عن الوقوف، وتُغني عن الشرح، وتختصر الإجراءات إلى أبسط شكل وأذكى أداء. لم تعد وزارة الداخلية تكتفي بصالات الأحوال أو المرور، بل قدّمت "أبشر" ليكون نافذة على أكثر من 350 خدمة. ولم تعد وزارة الصحة تحتاج إلى ورقة أو زيارة، بل أتاحت عبر "صحتي" و"موعد" متابعة الفحوصات، والتطعيمات، وجدولة المواعيد. حتى الأمن لم يعد مجرد حضور ميداني، بل أصبح عبر "كلنا أمن" حاضراً حيثما كان البلاغ، وأسرع من أن يُنتظر. منصة "توكلنا خدمات" لم تعد للتعريف فقط، بل أصبحت بوابة للهوية الرقمية، والسجل الصحي، وحجوزات الحج، وخدمات البلديات. والبلديات نفسها لم تعد غائبة عن المشهد، بل دخلت بقوة عبر "بلدي"، الذي جعل من الرخص والمخططات وخدمات الأراضي مسألة ثوانٍ لا أسابيع. وزارة العدل من جهتها لم تكتفِ بالتحوّل، بل أعادت صياغة مفاهيم عبر تطبيق ناجز في "التقاضي" و"الوكالة"... ، لتصبح افتراضية بالكامل، دون ورق ولا حضور. التحوّل لم يكن في البنية التحتية فقط، بل في البنية الذهنية للمجتمع. أصبحنا نُقيّم الخدمة بجودتها الرقمية، ونفهم أن "السرعة" ليست تعجّلًا، بل كفاءة، وأن "التقنية" ليست رفاهية، بل ضرورة بقاء في عصر لا يرحم المتأخرين. والمؤسسات لم تعد تخشى التقنية، بل تسابق بها. وما يُدهشك أكثر، أن هذا التحوّل الشامل لم يتوقف عند المدن الكبرى، بل وصل إلى القرى، وإلى فئة كبار السن، وذوي الإعاقة، ليؤكد أن الرقمنة هنا ليست حكرًا على فئة، بل حقٌ للجميع. السعودية اليوم لا تصنع تحولًا رقميًا فقط، بل تصنع نمطًا جديدًا من الحياة، يُبنى فيه الوقت على ما ننجز لا على ما ننتظر. وطن لا يقف في طابور الزمن، بل يفتح نافذته نحو المستقبل بضغطة زر.