في تقاطعات الرياض العديدة، بات مشهد عمال النظافة بملابسهم الخضراء وهم يتمركزون عند الإشارات الضوئية يفرض نفسه بوضوح، لا بوصفه جزءًا من دورة العمل اليومي، بل كظاهرة تتجاوز مهمتهم الأساسية إلى مشهد مقلق لا يشبه وجه المدينة الحضاري. تتكرر هذه اللحظات: الإشارة حمراء، والعامل يقف قرب نافذة السيارة، لا يطلب شيئًا، لا يتكلم، لكنه يحدّق طويلًا، يرسل نظرات متواصلة إلى السائقين، كأنها ترجمة صامتة لسؤال واحد: "أعطني شيئًا". لا هو يستجدي صراحة، ولا هو غافل عن أثر وقفته. إنها لغة العين فقط، وفيها ما يكفي من الوضوح. هذه الظاهرة –التي كانت قبل أعوام حالات فردية نادرة– بدأت تتزايد بشكل لافت، حتى غدت سلوكًا يوميًا لدى كثير من العمال. وهو سلوك، وإن لم يكن مخالفًا صريحًا، إلا أنه يحمل في مضمونه ما يشوّه صورة العمل البلدي المنظم، ويخلق إحساسًا بعدم الاحترافية لدى الجهة المشغّلة، ويبعث برسائل غير صحية عن العلاقة بين المدينة ومقدّمي خدماتها. الأصل أن يكون عامل النظافة موضع تقدير، لا شفقة. أن يُرى بوصفه عاملًا يؤدي وظيفة ضرورية باحترام، لا شخصًا يتسول بصمت تحت وطأة الحاجة. فإذا كان هذا المشهد ناتجًا عن ضعف رواتب أو ضغط نفسي أو غياب توجيه، فإن الأمر يتطلب تدخلاً فوريًا من الجهات المعنية، قبل أن تتحول المهنة برمتها إلى عنوان استغلال خفي للواقع الاجتماعي. لسنا ضد الرحمة، بل معها، لكننا مع الكرامة أولًا، ومع حفظ صورة المدينة والإنسان فيها على حد سواء. رياض بن سليمان العسافي