في كل مناسبة أحضرها، وفي كل قصر أفراح أدخله، تتكرر أمامي مشاهد تُؤلم القلب وتُقلق العقل، موائد ممدودة، وأصناف طعام لا تُعد ولا تُحصى، تنتهي غالبًا إلى حاويات النفايات، هناك حيث تُرمى النعمة بلا مبالاة، وكأننا لا ندرك أن في الأحياء القريبة أُسرًا تنام جائعة، وأن في القرى النائية من يتمنى كسرة خبز تسدّ جوعه، في وطننا المبارك، المملكة العربية السعودية، الذي منّ الله عليه بالخيرات، وأكرمه بقيادة جعلت الإنسان أولًا، لا ينبغي أن تمر مثل هذه الظواهر مرور الكرام، إن من أعظم صور الشكر لله تعالى أن نحفظ نعمته، وأن نرعى حقها، وأن نُحسن استخدامها، لا أن نُباهي بها ثم نهدرها، من هذا المنطلق، ومن واقع المسؤولية الاجتماعية والدينية والوطنية، أتقدم بهذا المقترح إلى مجلس الشورى والجهات ذات الاختصاص، وذلك لوضع نظام تنظيمي شامل يُلزم جميع قصور وصالات الأفراح بالتعاقد الرسمي مع جهات مرخصة لحفظ النعمة وتوزيع فائض الطعام، حيث يقوم المقترح على إلزام كل منشأة أو صالة أو قصر أفراح أو منظّم حفلات، سواء كانت خاصة أو عامة، بإبرام عقد موثق مع جمعية أو شركة مرخصة متخصصة في جمع وتغليف وتوزيع فائض الطعام، ويتم ربط هذا التعاقد باشتراطات التصاريح النظامية التي تُصدرها البلدية، ولا يُسمح بإقامة أي مناسبة دون توفره، وأيضاً تشكيل فرق ميدانية تابعة للبلديات، أو بالشراكة مع الجمعيات المختصة، لمتابعة تنفيذ هذا الاشتراط في الميدان، وتوثيق مدى الالتزام، وفرض غرامات على المخالفين، مع تكريم الجهات الملتزمة وفق معايير تحفظ الكرامة وتُشجع المبادرة، وهذا بدوره سوف يقوم بتحفيز سوق العمل وفتح فرص وظيفية، إن هذا المشروع لا يُعالج جانب الهدر الغذائي فقط، بل يُسهم في تحفيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة للشباب العاطلين من خلال توظيفهم في عدة مجالات مثل قيادة مركبات توصيل فائض الطعام، الإشراف على جمع وتغليف الطعام، العمل كمراقبين ومفتشين ومشرفين ميدانيين، العمل الإداري والتقني ضمن الشركات أو الجمعيات المنفذة، ومن غير تقديم برامج تدريبية للشباب تؤهلهم للعمل في مجالات تتعلق بالسلامة الغذائية وحفظ الأطعمة، مما يُسهم في رفع كفاءتهم وتمكينهم من وظائف دائمة وشريفة، ومن الفوائد المهمة والتي لا تخفى على الكثير توعية المجتمع دينيًا وثقافيًا، من الإجراءات التي لا نراها في أماكن صالات الطعام اللوحات الإرشادية، بحيث يُوصى بإلزام صالات وقصور الأفراح بوضع لوحات توعوية تحمل أحاديث نبوية عن أهمية حفظ النعمة، مثل، "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها"، وكذلك "وإذا أراد الله بقومٍ نعمة فلم يشكروا، سُلبوا إياها" من الأمور المهمة والمقترحة هي وضع دليل تقنين كميات الطعام، بحيث ينبغي إصدار دليل استرشادي لأصحاب المناسبات يساعدهم على احتساب كميات الطعام المناسبة وفق عدد الضيوف، مع اقتراحات لتقديم الطعام بطريقة راقية دون إسراف، وتشجيعهم على تقديم فائض الطعام عبر القنوات النظامية المُعتمدة. إن من أهم أهداف المقترح، الحد من الهدر الغذائي في المناسبات بنسبة قد تصل إلى 40 %، وتوفير الغذاء لآلاف المحتاجين في مختلف مناطق المملكة، وفتح فرص عمل للشباب في مجالات جديدة وواعدة، وتعزيز ثقافة الشكر العملي لله عز وجل، ورفع الوعي الوطني والإيماني حول أهمية حفظ النعمة، كذلك دعم مستهدفات رؤية السعودية 2030 في الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، والأثر المتوقع للمقترح يكون بانخفاض كبير في كمية النفايات العضوية الناتجة عن المناسبات، وتغطية غذائية عاجلة لعشرات الآلاف من الأسر المحتاجة أسبوعيًا، وتوفير بيئة عمل لائقة للشباب في مجالات جديدة، وتقوية العلاقة بين المجتمع والدولة من خلال منظومة حفظ النعمة، وترسيخ قيم الكرم المسؤول والشكر الحقيقي. وفي النهاية فإن حفظ النعمة ليس مجرد مشروع تنظيمي، بل هو صورة راقية من صور الانتماء لهذا الوطن المبارك، وشكر عملي لخالق النعمة. ماجد عايد العنزي