صرختنا الأولى على هذه الأرض هي إعلان بدء السباق لمعترك الحياة، تتشعب بنا الطرق كتشعب العروق التي تنبض بسيلان الرغبات، الأمنيات، التحديات، الانكسارات، الفقد، الحب، فالحياة تسري بنا، وتأخذنا في رحلة سريان الدماء بهذه العروق المتشعبة تحت جلد التفَكُّر، إلى أين؟ وكيف؟ ومن معنا؟ هل نحن وحدنا؟ وأنت أيها الإنسان الذي بدأت أول نبضٍ لك بصراخ، أنت من يحدد الآن ماهية هذه الصرخة، هل هي بداية الحياة، أم إعلان الانزواء للاستسلام؟ وحده الفنان التشكيلي هو من يحدد الإجابة، ومن يرسم هذا التشعب ويحدد مساره، بحب يتدفق، بألوان تنبض لتمنح الحياة لكل ما هو موجود بهذا الكون، من رموز قد تكون صماء عابرة لأي إنسان آخر، لكنه الفنان من يبعث بها الروح والجمال والمعنى ويمنحها المهم ويبلورها برؤية مختلفة تنتشلها من عتمة المهمش إلى المهم الأكيد. الفنان التشكيلي زايد الزهراني.. ابن الطائف.. الفنان الذي انساب بين المعارض الجماعية بعبق اللون وعانق المعارض الثلاثية واتحد بمعرض ثنائي، كانت تتشعب مشاركاته بانسيابية التدفق بعروق الحياة، آن له أن يمنحنا (وهج) اللحظة التي يستحقها، وأن يسمح لنا أن نقف له ونتأمل تفرد نبضة في لوحاته ومسيرة الخمس وأربعين سنة عطاء من لون وشغف، ومن التجريب الفني الذي ربت على شفاف قلوبنا، آن له أن يمنحنا التفرد بهذا الجمال لنقرأه ونترك أثراً. حين نتتبع أعمال الفنان زايد في تجربته التشكيلية نجدها مبنية على التصوير التشكيلي بخامة الأكريليك والباستيل والألوان الزيتية، تقنية الأعمال على الكانفس جمع فيها رموزاً ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالبيئة السعودية وبالأخص مسقط رأسه مدينة الطائف وأصوله من جنوبي المملكة العربية السعودية والتي تزخر برموز فنية جمالية. نلاحظ في لوحاته هيمنة الزخارف الجنوبية وبيوت القرية بكل جماليات تفاصيلها من شبابيك وأبواب وسلالم، حيث تناول هذه المفردات بصياغته الفنية، وأيضاً لم يغفل عن عنصر حلي نساء القرية والتي زينت بزخارف بذات الطابع الجنوبي المرتبط بصرياً بالقط العسيري، كما هو حضور زي الرجل السعودي في لوحاته والرقصات الشعبية مثل (التعشير) وهو لون من ألوان الرقصات الشعبية في مدينة الطائف، كما تزخر بعض لوحاته بمزارع الطائف والمنطقة الجنوبية. تزينت لوحات زايد الزهراني أيضاً برمزيات لها دلالات للعادات والثقافة السعودية مثل عنصر الدلة لدلالتها على الضيافة والكرم وارتباطها بالإرث السعودي كما في ظهور عنصر الجمل. فالظاهر لنا في تتبع أعماله هو التوثيق الفني للثقافة والتراث العريق للمملكة العربية السعودية. لم يخفَ على الزهراني إبراز المناسبات الدينية والأماكن المقدسة فظهر رمز الكعبة المشرفة في تطويع فني في لوحاته كما هي أيضاً المشاركات الوطنية مثل اليوم الوطني السعودي... أدوات زايد الزهراني ورموزه تم بناؤها في أعماله بتركيب تجريدي تأثيري يذوب فيها ربت الفرشاة مع موضوعية الزخارف بشفافية ضبابية تتناغم مع التركيب الكلي للعناصر، حيث تلتحم كل العناصر المنتقاة في بناء وحدة الموضوع بتوازن بصري، كما هي الألوان في لوحاته تنبض بالحياة حيث نلاحظ اعتماده على توزيع الألوان بطريقة الانتشار من بؤرة الرموز الموضوع إلى الرموز الوسيط، بذكاء الفنان في البناء اللوني مع رمزية العناصر لتجعل المتلقي يتنقل بصرياً في سردية فنية بتناغم مكتمل. (زايد الزهراني والمسرح) عين الفنان تنتقي اللقطات من الحياة بذكاء عاطفي، حيث وحده الفنان التشكيلي يستطيع أن يوقف اللحظة ببصيرة ليجمدها في مخيلته ثم يحركها في مرسمه برؤية تترك الأثر. عندما يجلس زايد الزهراني في مقاعد المتفرجين أمام المسرح فهو يبحث عن اللقطة المرتقبة لينتقيها ويجمدها وينقلها لمرسمه ويعيد صياغتها وإحيائها بألوانه، من مسرحية (لعبة الكراسي) أخرج لنا زايد لوحة تحمل الاسم ذاته، اقتصها من لحظة أداء الممثلين حين صفق لهم الجمهور، ولكنه زايد الزهراني منح لتلك اللحظة بقاء الأثر، وجعلها فوتوغرافية لونية بإحساس رسام أخرجها بإحساسه ومنحها إذن التفسير للمتلقي، فيضع لها ألف معنى ومعنى، وتبقى تلك اللقطة أثراً في مسيرته الفنية، لوحة (لعبة الكراسي). (وهج) هي محطة التقاء المتلقي بتاريخ الفنان البار بألوانه زايد الزهراني، حيث نلتقي نتاج تجربة بضع وأربعين سنة لونية في بضع وأربعين عملاً، فهنيئاً لنا هذا الملتقى اللوني بوهج الفنان التشكيلي زايد الزهراني. *ناقدة تشكيلية من أعمال زايد الزهراني جانب من معرض زايد الزهراني