بعد سنوات من التدهور الذي هدد بقاءه بصفته رمزًا تاريخيًا، يستعيد قصر سيئون في حضرموت شرق اليمن بريقه الأصيل، بفضل جهود البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، الذي ينفذ أعمال ترميم شاملة تعيد الحياة لهذا المعلم الحضاري البارز، وتحافظ على مكانته كونه شاهدًا حيًّا على تاريخه الممتد لأكثر من خمسة قرون. ويُعدُّ قصر سيئون تحفة معمارية فريدة تجسد في تصميمه المتناسق البديع أصالة الهندسة المعمارية اليمنية، واكتسب القصر مكانة رمزية رفيعة تجلت في اختياره سابقًا ليكون واجهة للعملة النقدية اليمنية اعترافًا بقيمته التاريخية والثقافية والجمالية. لا يقتصر تميز هذا الصرح الطيني على موقعه الإستراتيجي على قمة صخرة في قلب مدينة سيئون، وإطلالته على مدينتي شبام وتريم فحسب، بل يمتد لكونه واحدًا من أكبر المباني الطينية في العالم ومعلمًا بارزًا ليس على مستوى اليمن، بل على مستوى العمارة العالمية الطينية. وشُيّد القصر في الأساس كحصن منيع لحماية مدينة سيئون، لكن مع مرور الوقت والتعديلات اللاحقة، تحول ليصبح المقر الرسمي لسلاطين الدولة الكثيرية الذين حكموا وادي حضرموت في فترات سابقة، وهو ما أكسبه أيضًا اسم "قصر السلطان الكثيري". واستجابة لطلب الحكومة اليمنية ودعمًا لجهودها لحماية الآثار، أطلق البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن مشروعًا شاملًا لترميم قصر سيئون، بتمويل من البرنامج وتنفيذ منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبالتعاون مع وزارة الثقافة في المملكة والهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن، وبدعم لوجستي وفني من الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن. وشهدت أعمال إعادة التأهيل إصلاح السور الخارجي المتضرر والجدران الطينية التي تشكل الهيكل الأساسي للقصر، كما أوليت عناية خاصة لترميم السقوف الخشبية والأبواب والنوافذ المنحوتة، التي تعكس براعة الحرفيين في اليمن، ولم يغفل المشروع أهمية الحفاظ على الهوية المعمارية الفريدة للقصر، إذ تضمنت الأعمال إعادة تأهيل الزخارف والنقوش التقليدية التي تزين جدرانه وأروقته، كما شمل المشروع تدريب فرق محلية من مهندسين وفنيين على أعمال الترميم الدورية لضمان استدامة الصيانة مستقبلًا.