تحلّ ذكرى البيعة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والمملكة تسير بخطى واثقة نحو المستقبل، بثبات قائدٍ جمع بين الطموح الجسور والبصيرة العميقة، وبين الحزم في القرار والرحمة في التقدير. إنها ليست ذكرى عابرة، بل لحظة وطنية يتجدد فيها الإيمان بأن هذا الوطن، بفضل الله ثم بقيادته الرشيدة، يمضي في طريق التحول التاريخي ليكتب فصلاً جديدًا من مجده، مستندًا إلى رؤيةٍ وُلدت من رحم الحلم، وتغذت على ثقة شعبٍ، وتجلّت على أرض الواقع بإنجازات لا تُنكر. منذ أن تولّى سموه ولاية العهد، بدأت مرحلة مختلفة في تاريخ المملكة، مرحلة تجاوزت الأطر التقليدية للتنمية، وانطلقت صوب المستقبل بكل جرأة واقتدار. لم تكن البداية من الصفر، بل كانت انطلاقة من عمق التاريخ نحو آفاق غير مسبوقة، فكانت رؤية المملكة 2030 هي التعبير الأوضح عن فلسفة سموه في الحكم: وطن يمتلك كل مقومات القوة، وشعب يستحق أن يكون في صدارة الحضارة. رؤية حملت في طيّاتها مشروعًا حضاريًا شاملًا، أعاد تعريف الممكن، وكسر القوالب الجاهزة، وأطلق الطاقات الكامنة في الإنسان والمكان. ففي زمنٍ وجيز، أعاد سموه هيكلة الاقتصاد الوطني، فحوّل صندوق الاستثمارات العامة إلى واحدٍ من أكبر الصناديق السيادية في العالم، وجعله ذراعًا استراتيجيًا لبناء الاقتصاد الجديد، واقتحم من خلاله أسواقًا عالمية ومجالات لم تكن تُطرق من قبل. وأُطلقت مشروعات كبرى مثل نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، وذا لاين، ليس فقط كخطوات عمرانية ضخمة، بل كرموز لرؤية تتجاوز التنمية إلى إعادة صياغة المستقبل بأكمله، تعيد تعريف الحياة، وتبتكر أنماطها، وتبني للإنسان بيئة تليق بطموحه. ولأن الإنسان هو جوهر هذا التحول، لم تغب عنه سياسات التمكين والدعم. كان سموه أول من آمن بأن بناء الوطن يبدأ من بناء الإنسان، فشهدنا خطوات غير مسبوقة لتمكين المرأة، ودعم الشباب، وخلق بيئة تشجع على الابتكار وريادة الأعمال، وتُعزز من جودة الحياة. مشهد ثقافي نابض عاد للحياة، وفضاءات حرّة للإبداع تفتحت، ومجتمع تحوّل إلى شريك حقيقي في النهضة لا مجرد متلقٍ لها. أما في المجال الثقافي، فقد بادر سموه إلى ترسيخ الهوية السعودية بوصفها ركيزة وطنية وحضارية، فشهدنا تأسيس هيئات ثقافية متخصصة، وعودة المسرح، وازدهار الفنون، والاعتناء بالتراث العمراني، وإحياء مدن تاريخية مثل الدرعية والعلا، ليس بوصفها أطلالًا للماضي، بل كنقاط انطلاق نحو حضور عالمي يعكس عمقنا الحضاري وثراءنا الثقافي. وهكذا أصبح للثقافة صوتٌ يُسمع، وملامحٌ تُرى، وقيمة تُستعاد في قلب المشروع الوطني. وفي السياسة الخارجية، تجلّى دور سموه كقائد استثنائي أعاد للمملكة حضورها القوي والمتزن على الساحة الدولية. فبينما تتقلّب خرائط التحالفات العالمية، حافظت المملكة على موقعها المحوري، ومدّت جسور الحوار، وأكدت مكانتها كدولةٍ تُوازن بين المصالح والمبادئ، وتدفع باتجاه الاستقرار وتكريس قيم السلام والتنمية. كما جاءت مبادرات سموه مثل "الشرق الأوسط الأخضر" و"السعودية الخضراء" لتُظهر بُعد نظره في قضايا البيئة والمناخ، وتُعزز مكانة المملكة كقوةٍ مؤثرة في مستقبل الكوكب، لا فقط في اقتصاد المنطقة. إنها ثماني سنوات من التغيير العميق، لم تقتصر على مستوى المؤسسات فحسب، بل امتدت إلى عمق الوعي الجمعي، وأعادت تشكيل نظرة المواطن إلى نفسه ووطنه. أصبح الطموح ثقافة يومية، والابتكار لغة المستقبل، والنجاح مكوّنًا أصيلًا من الهوية السعودية الحديثة. وبرؤية سمو ولي العهد، انتقلنا من انتظار التغيير إلى صناعته، ومن الاتكال إلى الاعتماد على الذات، ومن التصورات النظرية إلى التجربة العملية، ومن الأحلام إلى الإنجازات التي تتحدث عن نفسها. في ذكرى البيعة، لا نحتفي فقط بمرور عامٍ جديد على تولي سموه ولاية العهد، بل نحتفي بقائد غيّر مفهوم القيادة، وجعل منها مشروعًا حيًا يتنفس في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن. نبايع سموه على الولاء والسمع والطاعة، ونبايعه على مواصلة الحلم والعمل، وعلى إكمال المسير نحو وطنٍ يتقدّم بثقة، ويتحوّل بقوة، ويصنع مجده بيده، ويرسم مستقبله بقراره. حفظ الله سمو ولي العهد، وأدام عليه نعمة الصحة والعزم، وبارك في خطواته التي تعبر بنا من الحاضر إلى التاريخ.