دعوات سعودية بريطانية تركية: خفض التصعيد وحل الخلافات بالحوار    مشاريع تطويرية للجسور والأنفاق    سفلتة وإنارة مخطط لارا تنتظران التنفيذ    الصين تدعم إيران في «الدفاع عن حقوقها المشروعة»    المملكة آمنة من مخاطر المنشآت النووية الإيرانية    الأهلي يعسكر في 3 دول أوروبية استعدادا للموسم الجديد    ضبط 9639 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    3 كراتين مياه زمزم للفرد عبر تطبيق نسك    غدًا.. تعليم جازان يستقبل أكثر من 257 ألف طالب وطالبة لأداء اختبارات نهاية الفصل الدراسي الثالث لعام 1446ه    بالصور مدينة الأخدود الأثرية بمنطقة نجران تاريخ من الآثار والتراث العريق    بعثة الهلال تحط رحالها في الولايات المتحدة    ولي العهد والرئيس التركي يستعرضان هاتفيا هجوم إسرائيل على إيران    إلغاء جولة المفاوضات النووية بين أميركا وإيران المقررة الأحد    العراق يطالب أمريكا بعدم خرق أجوائه من قبل إسرائيل    المملكة تنشئ غرفة عمليات خاصة وخطة متكاملة لخدمة حجاج إيران    حاج سوداني أول القادمين وآخر المغادرين عبر منفذ الرقعي    من يعطل صفقات نادي الهلال    تغيرت الصورة بعد مقالتك ب97 عاما يا طه حسين    صوت العصر السعودي الجديد    الأخضر السعودي يرفع استعداده لمواجهة هاييتي ضمن بطولة الكأس الذهبية    "المنافذ الجمركية" تسجل 2126 حالة ضبط خلال أسبوعين    الفاخري يؤكد التزام المملكة بدورها العالمي بمجال البيئة    مايكل إدواردز يرد على عرض الهلال    نادي القادسية يشارك في المباراة التذكارية "Trofeo Antonio Puerta" أمام نادي إشبيلية الإسباني    اليوم العالمي للتبرع بالدم.. مناسبة لتعزيز الوعي وتكريم المتبرعي    بوبا للرعاية المتكاملة تقدّم نموذجًا متطورًا للرعاية الصحية في موسم الحج 2025    التوتر اضطراب طبيعي واستمراره لفترة طويلة دون تدخل يكون ضارًا    ختام استثنائي لموسم التايكوندو.. الشباب يتوّج بكأس الأولمبي وفرق التفوق تُكرَّم في بطولة رؤية 2030    أجواء شديدة الحرارة ورياح مثيرة للغبار على عدة مناطق بالمملكة    الأزهر يدين العدوان الإسرائيلي على إيران    إيران : 78 قتيلا و320 جريحا إثر الضربات الإسرائيلية    خادم الحرمين يوجه وزارة الحج بتسهيل كافة احتياجات الحجاج الإيرانيين    توصيات طبية: تجنب الشاشات قبل النوم بساعتين لحماية النظر    خادم الحرمين يوجه بتسهيل كافة احتياجات الحجاج الإيرانيين حتى تتهيأ الظروف لعودتهم إلى وطنهم سالمين    توديع حجاج البحرين بهدية خادم الحرمين من المصحف عبر جسر الملك فهد    ضيوف الرحمن و زوّار المسجد النبوي يمكنهم معرفة المواقع الشاغرة في المسجد    أكثر من 1900 حاج يستفيدون من مبادرة المواقع المتنقلة على طريق الهجرة    «100 قصة من مجتمعنا» تواصل استقبال المشاركات    «إثراء» يعايد زواره بالموسيقى والأداء المبتكر    عائلة الحمد يشكرون المعزين في وفاة فقيدهم الشيخ حمد    المملكة تعزي الهند إثر الحادث الأليم بسقوط طائرة مدنية    وزير الشؤون الإسلامية يوجّه خطباء الجوامع بتخصيص خطبة الجمعة لشكر الله على نعمة نجاح موسم حج 1446ه    نجاح أول عملية تصغير معدة بالمنظار لزارع كلى على مستوى المنطقة    بمتابعة وإشراف أمير منطقة تبوك مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار تودع ضيوف الرحمن بخدمات نوعية    أمانة الشرقية تختتم فعاليات عيد الأضحى بفرحة الأهالي والزوار    اختتام فعالية ( عيدنا يجمعنا) بحضور أكثر من 8 الاف زائر برأس تنورة    نجاح الحج بتكامل أمني وتشغيل وطني    العقوبات والتخصيب في الميزان.. عراقجي: الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران يقترب    الجيش السوداني يبدأ ترتيبات دفاعية لاستعادة "المثلث"    "سدايا" تؤمن سلاسة مغادر ضيوف الرحمن عبر المنافذ    بموجب اتفاق سعودي – هولندي.. 428 مليون ريال استثمارات لتوطين التقنيات البيئية    مغادرة أولى رحلات ضيوف الرحمن عبر مطار المدينة    الحبشي يحتفي بإصداره "الاستخلاف وعمارة الأرض"    القاضي والفلاتة يحتفلان بزفاف أنس    عادة بسيطة عند النوم قد تؤدي إلى الصلع    97.7 % نسبة رضا الحجاج عن العلاج ب" التجمع الصحي"    حضور عالمي متنامٍ للسياحة في المملكة    هيئة الأفلام تنضم إلى الرابطة الدولية للمحفوظات السمعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث المادي وفن الجط
نشر في الرياض يوم 12 - 06 - 2025

لم تخل الديار العربية من النقش على الجدران، وقد اعتبره العامة نوعاً من الفنون الجمالية، لكنها فيما وراء ذلك هي لغة أبستمولوجية عرفها العرب عبر التراكم الحضاري، وقد ظهر ذلك في الاهتمام الملحوظ بالأبواب وما لها من دلالات ومعانٍ مضمرة ومتفق عليها ضمنياً تسري في وجدانهم..
لكل شعب لغته الرمزية والمعنوية في فنونه الخاصة وفي ممارساته اليومية. ولذا لجأ الباحثون عبر العصور إلى دراسة ما خلفه من آثار ومن تراث، ذلك في محاولة لفهم طبيعة هذا الشعب أو ذاك، فلا يعتقد البعض أن ما تزخر به معطيات الشعوب مجرد زينة أو ترفيه أو ما إلى ذلك، وإنما كل ما نجده وراءهم هو تاريخ للغة تركوها لنا يتعاملون بها عبر مفاهيم ضمنية وغير معلنة لنفك شفرات معالمهم إذا ما غادروا الحياة، وهذا متعارف عليه لدى علماء الآثار والأركيولوجيا وعلماء النفس وعلماء اللغة!
وكل ما يخصنا هنا هي تلك النقوش الجدارية التي يزين الأجداد جدرانهم بها، فما هي؟ وما معناها؟ وما مادتها؟ وما وظيفتها؟ أهي طلاسم سحرية تحميهم من عوالم يخالونها تسيطر عليهم؟ أم هي تعاويذ لفك السحر والحسد وما إلى ذلك؟ أم هي لغة مضمنة تقتحم ذواتهم، يدركون رموزها فيما بينهم كما ضمنوا الشعر بينهم؟
كلها تساؤلات تعصف بأذهان الباحثين والدارسين حين يتتبعون خطى الماضي، لفك شفراته! فالنقوش الجدارية في الفنون البدائية كالنقش على الكهوف -على سبيل المثال- ما هي إلا نقوش سحرية تعينهم على التغلب على الحياة البرية واصطياد فرائسهم! فحينما نرى ثوراً قد طعن في خاصرته، فهذا يعني طلسماً سحرياً يسيطر به على ذلك الثور الهائج، وحينما ننظر إلى تلك النقوش المنحوتة على الجبس والمرمر التي تزين القصر الملكي في نينوى، وكأنها فوضى عارمة من السهام واستعراض القوة، التي تصور حملة الملك آشور بانيبال لصيد الأسود، وإنما لتلك الدلالات روحانية كبرى مختبئة في ثنايا هذه المنحوتات التي تسرد مظاهر الجبروت الملكي الذي يمتطي جواده ثم عربة الخيول، يتفاخر باصطياد جماعات من الأسود المكشرة عن أنيابها!
ولم تخل الديار العربية من النقش على الجدران، وقد اعتبره العامة نوعاً من الفنون الجمالية، لكنها فيما وراء ذلك هي لغة أبستمولوجية عرفها العرب عبر التراكم الحضاري، وقد ظهر ذلك في الاهتمام الملحوظ بالأبواب وما لها من دلالات ومعانٍ مضمرة ومتفق عليها ضمنياً تسري في وجدانهم. يرجع ذلك إلى الماضي البعيد، كما نرى في ذلك الباب المتحفي الذي يرجع تاريخه إلى الفترة: 1175ه / 1761م. والذي كتبت عليه إحدى سور القرآن الكريم (سورة الفتح) وهو الآن في متحف المملكة بالرياض كتحفة فنية نادرة.
وفي منطقة الأحساء -شرق المملكة- نجد النقوش الجدارية مستخدمة الخط العربي المسند من اللغة العربية الجنوبية والتي يرجع تاريخها إلى 350 ق.م وذلك في مدينة ثاج الأثرية "وقد تميزت عن غيرها بالتفريغ الكلي للنقشة والزخرفة".
وفي المنطقة الجنوبية من المملكة نجد فن نقش الجط الذي كان يزين جدران المنازل في الماضي القريب
وهو نقش تقوم به نسوة تخصصن في هذا الشأن، ومكون في شكله إما من خطوط عريضة تشكل ما بين عشرين أو ثلاثين سنتيمتراً تقريباً- تعلو بعضها مع ترك مساحة بيضاء فيما بينها، ويساوي نفس العرض الملون- أو أشكال هندسية تتوسط هذه الخطوط وربما يرجع ذلك إلى نظرة الدين الإسلامي للفن، فلا نحت ولا تجسيم ولا تصوير لنقش يحمل روحاً. ويختلف النقش في ارتفاعه على الجدار بين منازل الأغنياء والفقراء.
مادة القط:
لم يكن العرب قد ركنوا إلى الأصباغ الحديثة والألوان الصناعية، بل يستخرجون كل ما يحتاجونه في حياتهم اليومية من الطبيعة، ولذلك تأخذ الرسامة - وتدعى الكاتبة، ولها تقديرها المجتمعي- مادتها دائماً من الطبيعة، فالأسود ليس من الفحم المطحون كما يذكر البعض، وإنما من تكتلات الدخان المتجمع داخل إناء مقلوب على أعواد أُشعِلت ثم أُطفِئت نارها، ويبقى الدخان يتصاعد على الإناء المجوف المقلوب (أشبه بعملية تقطير الماء)، واللون الأسود عنصر أساسي في الجط. أما اللون الأحمر فيؤخذ من طينة حمراء تسمى (المشقة) وعادة ما تستخدم في الصباغة. أما الأخضر فيؤخذ من عصير البرسيم، والأزرق يؤخذ من مسحوق النيلة الأزرق ثم الصمغ حتى يثبت.
أما أدواته فهي إناء مجوف لجمع الأدخنة، وبعض الآنية لخلط المواد، والريشة - الفرشاة هي أهم أداة في عملية الجط - فتؤخذ من فرو الضأن وبخاصة أذنابها الذي تثبت على عصاة صغيرة، وتتنوع المقاسات بحسب أنواع الخطوط، فلكل لون فرشاته وحجمه تنسقها الرسامة من فرو أذناب الخراف. والجط معلم من معالم منازل أهل الجنوب.
أما خطوطه فهي أشكال هندسية متفق عليها وقد تطور الجط حتى أصبحت إحدى لوحاته معروضة في مبنى الأمم المتحدة مؤخراً، تكريماً لهذا الفن الرائع.
وظيفة القط:
لا تقتصر وظيفة القط على تزيين المنازل والأواني كوظيفة جمالية، بقدر ما له من وظيفة أبستمولوجية مهمة، في البعد الاجتماعي والاقتصادي أيضاً، كما أن له قوانينه التي لا يجرؤ الأفراد على تخطيها احتراماً لما تحمله هذه اللغة المضمنة من مفهوم؛ لأن الغرباء يفدون ويدخلون من الأبواب المشرعة على الدوام وبدون سابق معرفة، ومن هُنا تأتي الوظيفة لمعرفة مكانة قاطني المنزل وحالتهم الاقتصادية، ووضعهم التراتبي في قريتهم أو مدينتهم. فالغني أو الشيخ يُعرّف به! فيقال عنه (الجط لمنتصف الجدار) كناية عن مكانته الاجتماعية، لأن الغريب يدخل أي بيت يقابله، فيمكث ويأكل ويبيت ثم يواصل مسيره بدون أن يُسأل عن غرض وفودِه، وبالتالي فعليه أن يعرف قدرات هذا البيت ومكانته. والقط لا يوضع على الجدران فحسب وإنما تزين به الآنية كالمجامر (المباخر) والفناجيل من الخارج وغير ذلك من الأواني، ويختلف القط في مجالس الرجال عنه في مجالس النساء، فالاهتمام بالجط يكون في المجالس الكبيرة للرجال.
ولذلك كان لزاماً علينا أن نتتبع وندرس هذه الفنون بجميع أبعادها الجمالية والإيحائية، والرمزية، من حيث الوظيفة والمادة واللغة، لكي يأتي من بعدنا أقوام يفكون شفرات هذه الممارسات الطقسية أو الفنية الجمالية لأنها جزء من هويتنا وتاريخنا عبر العصور المتلاحقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.