ما زال العالم يعاني من أزمة غذائية وصحية تؤثر على ملايين الأرواح، حيث يتسبب نقص الغذاء وسوء التغذية في أضرار جسيمة على الصحة العامة، فعلى الرغم من التقدم التكنولوجي والاقتصادي، يظل الجوع وسوء التغذية من القضايا الملحة التي تحتاج إلى حلول عاجلة لضمان صحة الإنسان وحمايته من الأمراض المزمنة والمعدية. ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن سوء التغذية يؤدي إلى العديد من الأمراض المزمنة مثل الأمراض القلبية والسكري، كما يسهم بشكل مباشر في زيادة حالات الوفاة المبكرة، ويعد نقص المغذيات الحيوية، مثل البروتينات والفيتامينات والمعادن، السبب الرئيس في حدوث نقص في المناعة، ما يزيد من ضعف قدرة الجسم على مقاومة الأمراض المعدية، خاصة في المجتمعات النامية، كما يؤدي سوء التغذية إلى نقص النمو العقلي لدى الأطفال، حيث تتسبب النقص في المغذيات اللازمة في التأثير على تطوير الدماغ، ما يؤدي إلى تراجع في القدرات التعليمية والتطور المعرفي. إن الربط بين الفقر وسوء التغذية أمر لا يمكن تجاهله، فالفئات الفقيرة في المجتمعات العالمية هي الأكثر عرضة للآثار المدمرة لهذه الأزمة، وبحسب تقرير الأممالمتحدة، يعيش أكثر من 30 % من سكان العالم تحت خط الفقر، ويُحتمل أن يكونوا في دائرة الفقر الغذائي، أي لا يستطيعون توفير طعام كافٍ ومتنوع، تلك الشريحة هي الأكثر تأثرًا بالأمراض المرتبطة بسوء التغذية، مثل فقر الدم وضعف الجهاز المناعي. وبينما يواجه ملايين الأطفال في الدول النامية تهديدات جراء نقص الغذاء، فإن تأثير ذلك يمتد لعقود، فالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في مراحل مبكرة من حياتهم قد يعانون من مشكلات صحية طويلة الأمد، بما في ذلك تأخر النمو، وزيادة معدلات الوفيات، وارتفاع حالات الأمراض المزمنة، ويتسبب هذا في أضرار على مستوى القوى العاملة المستقبلية، حيث يصبح هؤلاء الأفراد أكثر عرضة للبطالة والإعاقة الاقتصادية. إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لا يتجزأ عن معالجة قضية نقص الغذاء وسوء التغذية، حيث يتعين على الحكومات والمنظمات الدولية زيادة الوعي والموارد المخصصة لمكافحة هذه الأزمة، ووفقًا لتقرير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (UNDP)، يعد القضاء على الجوع وتعزيز الأمن الغذائي من أبرز أهداف التنمية المستدامة، ويجب أن يكون محورًا رئيسيًا للجهود الدولية. ويتطلب الحد من نقص الغذاء وسوء التغذية استراتيجية متكاملة تشمل تحسين الأمن الغذائي، حيث يتعين على الحكومات تطوير شبكات توزيع الغذاء؛ لضمان الوصول العادل إلى الموارد الغذائية في المناطق الأكثر فقرًا، إضافة إلى دعم الزراعة المستدامة، وتعزيز تنوع المحاصيل الغذائية، إلى جانب رفع مستوى الوعي بشأن التغذية السليمة في المدارس والمجتمعات المحلية، إضافة إلى التعليم حول كيفية تحسين النظام الغذائي باستخدام الموارد المتاحة. ويعد تحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية جزءًا من استراتيجية معالجة سوء التغذية، حيث يجب تعزيز برامج التغذية العلاجية للأطفال والنساء في المناطق الأكثر تضررًا، كما أن التعاون بين الدول المتقدمة والدول النامية من خلال شراكات تنموية تضمن توفير الدعم الفني والمادي في مجالات الزراعة والصحة، سيسهم في إيجاد حلول عملية لنقص الغذاء. وتحتاج هذه القضية إلى جهود دولية مشتركة واستراتيجيات مبتكرة للنهوض بالوضع الصحي العالمي وضمان الأمن الغذائي للجميع. وفي النهاية، ليس من المقبول أن يستمر هذا الظلم الغذائي في عالمنا الذي يمتلك الموارد الكافية للتغلب على هذه الأزمة.