منذ أن فرض الله سبحانه وتعالى الحج على المسلمين وهم يتوافدون على مكةالمكرمة لأداء هذا الركن الخامس من أركان الإسلام. ويختلف الحج عن بقية أركان الإسلام في كونه رحلة يعد لها المسلم قبل بدئها، ثم يعيشها على مر شهور معدودة، ثم طقوس يؤديها حين الوصول إلى المشاعر المقدسة، ليعود راجعا إلى بلاده عبر النصف الآخر من رحلة الحج هذه. وهذا ما جعل الحج أمرا شاقا على المسلمين ليربطه الحق جلا وعلا بشرط القدرة والاستطاعة. ومتى فقد هذا الشرط، سقطت هذه الفريضة العظيمة. والمتتبع لتاريخ الحج على مر العصور الإسلامية يرى عظم المشقة التي كان يعاني منها الحجاج سواء على مستوى السفر كعملية انتقال بري أو بحري، أو على مستوى الاقتصاد، أو على مستوى الصحة، أو على المستوى الأمني بشقيه المادي والفكري. وقد يعتقد البعض أن هذه المشقة كانت تحصل فقط لقوافل الحجيج القادمة من الأجزاء البعيدة من العالم الإسلامي فقط. وهذا أمر غير دقيق. بل قد تتعرض القافلة الخارجة من أي ناحية من الجزيرة العربية نفسها باتجاه مكة إلى المشاكل الأمنية والسلب والنهب. ولو أردنا تتبع مثل هذه الروايات لاحتجنا مجلدات، ولكن يكفي أن نذكر هنا ماورد -على سبيل المثال- في سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي أن قافلة الحج المتوجهة من المدينة إلى مكة سنة 982ه قد تعرضت لهجوم بعض الأعراب الذين قتلوا وسلبوا دون رادع: "فكان موقفا شنيعا، ومنظرا قبيحا، وقع فيه قتل وسلب وطعن وضرب، وأهل الركب مُحرمون، والطوائف المذكورة مجرمون". وقد استمر هذا الوضع حتى العصر السعودي الزاهر. فقد شهد موسم الحج والحرمان الشريفان وزوارهما عناية لم يشهد لها التاريخ مثيلا. لقد حرص الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- على توفير كل سبل راحة الحجيج وعلى رأسها "الأمن" الذي لا حج في انعدامه. وقد سار أبناؤه البررة من بعده على هذه السياسة.. واليوم وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- يشهد الحرمان الشريفان وزوارهما عناية منقطعة النظير، حيث تنظيم خدمات الحجاج وتسهيل إجراءاتهم. كما أن أمن الحجيج خط أحمر لا يقبل العبث به، ولعل استعراض قوات الحج الذي شاهدناه أمس دليل على هذه العناية الكبيرة. كما أن صحة الحجيج من أولويات قيادة هذا البلد المباركة فقد وفرت لهم كل ما يحتاجونه من أدوية وعناية. لقد اطلقت العديد من المبادرات لتسهيل خدمات الحج والارتقاء بتجربة الحجيج وضيوف الرحمن مثل مبادرة طريق مكة التي توفر للحجاج أعلى مستوى من الخدمة والراحة في رحلتهم، من خلال تمكينهم من استكمال إجراءات دخولهم إلى المملكة من مطارات بلدانهم ونقلهم مباشرة إلى أماكن إقامتهم في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة. وكذلك مبادرة برنامج خدمة ضيوف الرحمن الذي وفّر للقادمين إلى الحرمين الشريفين الكثير من المرافق ذات الجودة العالية، والبنية التحتية المتقدمة، والخدمات الرقمية، التي تساعد الجميع على أن ينعموا بتجربة إيمانية مميزة لا تنسى. لقد انتقلت المملكة إلى مرحلة رفاهية الحجاج والمعتمرين خلال رحلتهم للأماكن المقدسة تلك الرحلة التي تنعم بالأمن والراحة والخدمات الصحية مما يحقق لهم جودة الحياة خلالها.. جزى الله قيادة هذا البلد المباركة عن الإسلام وأهله خير الجزاء.