حسناً فعل برنامج "جودة الحياة" بتوسيع قاعدة برامجه وفعالياته، ليشمل رعاية الحوارات الشبابية، إذ أن زمن التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة، يجعل إشراك الشباب ضرورة استراتيجية، وركيزة جوهرية في بناء وطن طموح واقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي، كما بشرت به رؤية المملكة 2030. اللقاءات الحوارية الشبابية أكثر من مجرد منصات للتفاعل، بل هي أدوات فاعلة لمناقشة السياسات والتحديات بروح وطنية ومسؤولية مشتركة، وهو ما وجدته حينما حضرت اللقاء الرابع عشر للقاء ال25، تلكم الشبكة الخاصة التي أطلقها المبدع أحمد الجبرين، عبر تنظيم لقاء دوري يضم 25 من نخبة الشخصيات المؤثرة والفاعلة والمتجددة في القطاعات المختلفة. يُعتبر الحوار أداة حضارية تتجاوز حدود التواصل، ليكون وسيلة فهم الواقع وصياغة المستقبل، وعندما يكون الحوار مع الشباب، فإننا أمام طاقة وطنية متدفقة بالأفكار والطموحات والابتكارات، لأنهم الفئة الأوسع والأكثر حيوية في مجتمعنا، وهم من سيحمل على عاتقهم مسؤولية تنفيذ الرؤية، ومواصلة البناء. في لقاء ال25، ظهر جلياً حجم النضج الفكري والثقافي الذي يتمتع به الشباب السعودي، إذ طُرحت قضايا التعليم، وتحديات الإسكان، وسبل دعم ريادة الأعمال، بجانب نقاشات حول الفرص الثقافية والإعلامية، وغيرها، فأضحى اللقاء أشبه بورشة وطنية تفاعلية، جسدت نموذجاً حقيقياً للتخطيط التشاركي. تؤكد تجارب الدول الأخرى أن الحوارات الشبابية هي آلية ناجحة لصناعة القرار والتنمية المستدامة، مثل التجربة السنغافورية Our Singapore Conversation، التي جمعت آلاف الشباب من مختلف التوجهات لسماع آرائهم حول مستقبل بلادهم، لينتج عن هذه الحوارات مراجعة سياسات الإسكان والتعليم والعمل بما يتوافق مع تطلعات الجيل الجديد، إلى رواندا، الدولة الإفريقية التي حققت تحولاً تنموياً، التي أطلقت YouthConnekt, وهو منتدى شبابي وطني يتيح للشباب مناقشة القضايا التنموية مع الوزراء والمستثمرين وصناع القرار، مما ساعد في خفض نسب البطالة، وزيادة مشاركة الشباب في الاقتصاد الرقمي، أما فنلندا، وهي أحد أكثر الدول تقدماً في التعليم والحوكمة، فخصصت جلسات دورية للشباب ضمن البرلمان، تُعرف بYouth Parliament، تُناقش فيها تشريعات وقوانين تخص المستقبل، وهو ما خلق بيئة تشاركية منذ سن مبكرة. كل هذه النماذج تؤكد أن الاستماع للشباب استثمار ذكي طويل الأمد، فحين يُسمع صوت الشباب، تُولد أفكار جديدة، وتُبنى سياسات واقعية، وتُعزز الثقة، إلا أن ما يميز "لقاء ال25" أنه لم يكن مبادرة من الأعلى للأسفل، بل تميّز بروح تشاركية مفتوحة تُشعر الشباب أنهم شركاء في القرار، وليسوا متلقين له فقط، بما يعكس الثقة في شبابنا، وقدرتهم على الإسهام في صناعة المستقبل. ما نحتاجه اليوم هو ترسيخ ثقافة الحوار المستدام بين الشباب وصناع القرار، لا على شكل مناسبات مؤقتة، بل ضمن مبادرات مؤسسية تتيح الاستمرارية والتطوير، لتكون الحوارات إحدى أدوات قياس السياسات، ومنصة لتقييم المبادرات، وبناء التفاهمات المجتمعية. أيضاً لابد من توسيع مثل هذه اللقاءات وتنوعها جغرافيا في مناطق المملكة ومهنياً وثقافياً ضمن الجمعيات والهيئات المهنية، مما يعمّق الانتماء الوطني، ويعزز تبادل الرؤى بين الأجيال المختلفة، ويوجه الطاقات الشابة نحو الأهداف المنشودة.