مع انقضاء فترة إعلانات الشركات عن نتائجها المالية للربع الأول من عام 2025، تتكشف ملامح واقع اقتصادي أكثر تفاؤلاً مما كانت تتوقعه تقارير المحللين، لم تعد النتائج المالية للشركات السعودية مجرد أرقام تُعرض في بيانات أو تُناقش في حوارات، بل أصبحت مرآة تكشف ملامح الاقتصاد السعودي في ظل رؤية 2030، لم يعد النفط هو المؤثر الوحيد على اقتصاد المملكة الذي كان يعتمد على إرث الريع النفطي، بل أصبح لدينا اقتصاد يتشكل بخطا متسارعة نحو التنويع والابتكار، أرامكو سجلت أرباحًا بلغت قرابة 97.5 مليار ريال، بانخفاض طفيف مقارنةً بالعام الماضي ولكن النتائج جاءت أفضل من توقعات المحللين رغم انخفاض أسعار النفط والكميات المبيعة إلا أن استراتيجية التنويع التي بدأتها الشركة منذ سنوات بالاستثمار في المصب بدلا من الاستثمار في المنبع فقط خلق فرصاً جيدة للنمو والتخلص من تأثيرات أسعار النفط تدريجياً، استراتيجية الشركة أصبحت أكثر تناغماً مع رؤية 2030 والتي تساعدها مستقبلا في تقليل الاعتماد على بيع النفط الخام كمصدر رئيس للدخل، أرامكو أصحبت أكثر ديناميكية في التعامل مع تذبذب أسعار النفط، وتحوّلات الجغرافيا السياسية، وتزايد المطالب الدولية بالتحول إلى الطاقة النظيفة، ولذلك نجد استثماراتها الجديدة تتواكب مع جميع هذه المتغيرات لتبقى عملاقة الطاقة في العالم، وبينما يتحرك العملاق وسط هذه التحديات، كانت بعض الشركات لديها فرص نمو جيدة أوجدتها رؤية 2030 منها القطاع المصرفي الذي بدأ وكأنه أكثر قدرة على التكيّف مع الظروف المتغيرة، مصرف الراجحي على سبيل المثال، تجاوزت أرباحه 5.9 مليارات ريال بنسبة نمو تاريخية بلغت 34 % لم يحقق نمواً قياسياً فحسب، بل قدّم نموذجا في قدرة البنوك السعودية على النمو في بيئة مشبعة بالمخاطر، من ارتفاع في أسعار الفائدة إلى الضغوط التنظيمية والمتغيرات الاقتصادية، وقدرتها على تجاوزت نقص السيولة من خلال إصدارات ضخمة لأدوات الدين لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات التمويلية مما جعل البنوك تحقق نتائج مذهلة وإن تفاوت أداؤها لكنها حققت نتائج تفوق التوقعات مع المحافظة على كفاءتها المالية وجدارتها الائتمانية، نتائج الشركات للربع الأول أظهرت ملامح نضج جديد مع تنامي الاقتصاد غير النفطي، حيث لم يعد الربح السهل هو القاعدة، بل أصبح النجاح مبنياً على التنويع، والتحول الرقمي، واستيعاب ثقافة مالية أكثر تعقيداً من ذي قبل، في المقابل وقفت شركات البتروكيماويات أمام امتحان قاسٍ نصف شركات القطاع حققت خسائر، وهذا يشير إلى أن هذا القطاع لم يعد بمأمن من التقلّبات، لا في الأسعار ولا في الطلب ولذلك يجب على إدارات هذه الشركات البحث عن فرص جديدة، الرئيس التنفيذي لسابك ذكر شيئاً من ذلك خلال مؤتمره الصحفي حيث قال إن الشركة بدأت تعمل على توفير منتجات نوعية هوامشها الربحية عالية وهذا هو التحول المقصود للقطاع، التحدي الذي يواجه الشركات هو قدرتها على التحول من شركات تقليدية إلى شركات مرنة قادرة على التجديد والابتكار لمواجهة المتغيرات الاقتصادية، قطاع الاتصالات رغم نضوجه وإسهاماته الفاعلة في التحول الرقمي وتقديمه صورة من الاستقرار والثقة خلال السنوات الماضية، إلا أن التنافس المحموم في قطاع الاتصالات، يحتم على الشركات بناء نموذج عمل قادر على التنبؤ بالمتغيرات، وديناميكي في التحولات، لكى لا تصحى شركاتنا وتجد نفسها خارج حلبة المنافسة، أس تي سي عملت لنفسها نموذج عمل يعتمد على تنويع مصادر دخلها لزيادة قدرتها على المنافسة وأن تكون شركة متعددة الأغراض وأظنها نجحت في ذلك، البيئة الاستثمارية السعودية تعيش ما يمكن تسميته بمرحلة إعادة تعريف الذات، السوق لم يعد سوقاً يُبنى على التفاؤل غير المدروس، بل أصبح أكثر نضجاً في استيعاب المتغيرات، المستثمرون اليوم يسألون عن الكفاءة، عن الاستدامة، عن جدوى الاستراتيجية، وعن قدرة الشركات على التفاعل مع عالم سريع التغير، وفي هذا الإطار، لا بد أن نقول إن ما ينقص كثير من الشركات السعودية ليس المال، بل الرؤية التي تتجاوز الأرقام وتذهب إلى بناء نموذج اقتصادي قادر على الوقوف في وجه العواصف، التحول الاقتصادي الذي ترفعه رؤية 2030 شعاراً لها، لا يمكن أن يكون مجرد خطة حكومية، بل يجب أن يسكن في عمق استراتيجيات الشركات، في قرارات مجالس الإدارات، في عقلية الرؤساء التنفيذيين، التحديات موجودة والمتغيرات مستمرة، والسوق لن يغفر لمن يتباطأ عن مواكبة الركب، لكنه في ذات الوقت يمنح الشركات فرص ثمينة للنمو، فوسط هذا التباين في النتائج، برزت مؤشرات على أن التغيير ممكن، وأن هناك من بدأ يسلك الطريق، حتى لو كان طويلاً، في النهاية هذه النتائج ليست مجرد تقارير نمر عليها مرور الكرام، إنها قصة نكتبها مع كل قرار، وكل استثمار، وكل فكرة جديدة تُولد في عقول قادة الشركات أو في غرف الاجتماعات، فهل تكتب الشركات قصة تحولها أم تكرر الحكاية القديمة بأسماء جديدة؟