توقفت الاشتباكات المسلحة في طرابلس في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء إلا من بعض الطلقات التي تسمع حينا، وذلك بعد ليلة صعبة عاشتها العاصمة الليبية على أثر هجوم قوات تتبع "حكومة الوحدة الوطنية" مساء الاثنين على مقرات "جهاز دعم الاستقرار" وبسط السيطرة عليها. وأعلنت الحكومة عبر وزارة الدفاع عن انتهاء العملية العسكرية بنجاح، وأعطت تعليماتها بإكمال خطتها في المنطقة بما يضمن استدامة الأمن والاستقرار. ووجه رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة، التحية إلى وزارتي الداخلية والدفاع، وجميع منتسبي الجيش والشرطة، مشيرا عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك إلى أنهم حققوا "إنجازا كبيرا في بسط الأمن وفرض سلطة الدولة في العاصمة". وتابع: "إن ما تحقق اليوم يؤكد أن المؤسسات النظامية قادرة على حماية الوطن وحفظ كرامة المواطنين، ويُشكل خطوة حاسمة نحو إنهاء المجموعات غير النظامية، وترسيخ مبدأ ألّا مكان في ليبيا إلا لمؤسسات الدولة، ولا سلطة إلا للقانون". وتمكنت القوات الحكومية وعلى رأسها: اللواء 444 قتال، واللواء 111 مجحفل من الدخول إلى كل مقرات جهاز دعم الاستقرار والجهات التابعة أو الموالية له بطرابلس وبعض المناطق المجاورة في عملية سريعة بدأت بمقتل آمر الجهاز، عبدالغني الككلي "غنيوة" في ظروف غامضة مساء الاثنين. وأظهرت مقاطع فيديو سقوط بعض القتلى وتضرر سيارات مسلحة تتبع جهاز الاستقرار، فيما لم ترشح إلى الآن أي أرقام حول ضحايا الاشتباكات أو حجم الخسائر المادية، ولم يعلن أيضا عما حل بمنتسبي الجهاز، كما لم تصدر أي مراسيم حول مصير الجهاز الأمني التابع مباشرة للمجلس الرئاسي، والمؤسس إبان حكومة الوفاق الوطني السابقة. ويعتبر آمر الجهاز "غنيوة" أحد أشهر قادة المليشيات الليبية التي تأسست عقب أحداث فبراير 2011 حيث بسط سيطرته منذ ذلك الحين على منطقة أبوسليم -إحدى أكثر المناطق اكتظاظا- ومعسكرات ومرافق مدنية، منها حديقة الحيوان المركزية التي أغلقت بسبب تمركز قواته فيها منذ ذلك الوقت. كما امتدت سيطرة جهاز دعم الاستقرار بنسب مختلفة على مؤسسات أخرى، منها: جهاز الأمن الداخلي، وديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية، وحاولت قواته مؤخرا السيطرة على الشركة القابضة للإتصالات بعد مداهمة موقعها والقبض على رئيسها. وقال ثلاثة من سكان العاصمة طرابلس عبر الهاتف إن المدينة شهدت اشتباكات مسلحة مساء الاثنين وترددت أصداء إطلاق الرصاص في وسط المدينة وأجزاء أخرى منها بعدما ترددت تقارير عن مقتل قائد إحدى الجماعات المسلحة المعروف باسم غنيوة، رئيس جهاز دعم الاستقرار، وهو من الجماعات المسلحة القوية في طرابلس المتمركزة في منطقة أبو سليم المكتظة بالسكان. ويتبع جهاز دعم الاستقرار المجلس الرئاسي الذي تولى السلطة في 2021 مع حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة من خلال عملية مدعومة من الأممالمتحدة. ودعت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية المواطنين في بيان مقتضب إلى ملازمة منازلهم "حرصا على سلامتهم". وعقب دعوة الوزارة، بدأ قائدو السيارات في تجاوز السرعة وإطلاق أصوات آلات التنبيه في الكثير من شوارع طرابلس. وذكرت المنصة الإعلامية لحكومة الوحدة الوطنية في وقت مبكر من يوم الثلاثاء أن وزارة الدفاع سيطرت بالكامل على منطقة أبو سليم. وأعلنت رئاسة جامعة طرابلس عبر فيسبوك "إيقاف الدراسة والامتحانات والعمل الإداري في كافة كليات وإدارات ومكاتب الجامعة حتى إشعار آخر". ودعت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا جميع الأطراف إلى "وقف الاقتتال فورا واستعادة الهدوء"، قائلة إنها "تذكر جميع الأطراف بالتزاماتها بحماية المدنيين في جميع الأوقات". وأضافت أنها "تحذر من أن الهجمات على المدنيين والأهداف المدنية قد ترقى إلى جرائم حرب". لم تشهد ليبيا استقرارا يذكر منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف شمال الأطلسي. وانقسمت البلاد في 2014 بين طرفين متناحرين أحدهما في الشرق والآخر في الغرب. وتوقفت المعارك الكبرى مع وقف إطلاق نار في 2020، لكن جهود إنهاء الأزمة السياسية باءت بالفشل، إذ أحيانا ما تخوض فصائل رئيسية اشتباكات مسلحة وتتنافس على السيطرة على الموارد الاقتصادية الكبيرة لليبيا. وطرابلس والشمال الغربي، حيث تتمركز حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا ومعظم مؤسسات الدولة الكبرى، موطن فصائل مسلحة متناحرة تخوض معارك بصورة متكررة.