في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن ارتفاع وتيرة الاهتمام المحلي والإقليمي بضمان الأمن الغذائي وأهميته، اتجه أحد المستثمرين السعوديين إلى فتح قناة جديدة ومبتكرة تصب في تعزيز الأمن الغذائي وتوسيع سلاسل الإمداد المحلية والإقليمية في قطاع الثروة الحيوانية، وذلك من خلال الاستثمار في مشروع (مربع صحي) للمواشي بقيمة بلغت نحو 100 مليون ريال. ويتمثل عمل المربع الصحي الذي تم إقامته في الأردن (150 كيلو متراً عن الحدود السعودية) بهدف استيراد كافة أنواع الثروة الحيوانية (أغنام، جمال، أبقار) من الدول المعتمدة وإخضاعها للحجر الصحي وتطبيق الإجراءات الصحية والبيطرية والأمن الحيوي والرفق بالحيوان ومن ثم تصديرها إلى الدول المجاورة وعلى رأسها السعودية. مخاطر الأمراض الحيوانية ووفقاً للقائمين على المشروع فإن إقامة المربع الصحي كان استناداً إلى موافقة مسبقة من وزارة البيئة ومشورة المنظمة العالمية للصحة الحيوانية WOAH وتأييد من الدول الأعضاء بالمنظمة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية ممثلة بوزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، وقد تم الإعلان عن ذلك رسمياً خلال مؤتمر دولي أقامته المنظمة العالمية للصحة الحيوانية WOAH بهذا الخصوص في الأردن. وجاء على أثر ذلك العمل على تنفيذ المشروع ليكون «المربع الصحي» خط حماية أولى لصد مخاطر الأمراض الحيوانية في إرساليات المواشي المستوردة قبل دخولها، ومصدراً رئيساً لتصدير الثروة الحيوانية، وكذلك الإسهام في التكامل الاقتصادي بين الدول. مركز إقليمي معترف به دولياً وقد تم بالفعل إنجار المشروع في محافظة معان في المملكة الأردنية الهاشمية على مساحة تقدر بنحو 1.5 مليون متر مربع، بإشراف مباشر من وزارة الزراعة الأردنية، ليكون مركزاً إقليمياً صحياً معترف به دولياً يساهم في توفير احتياج عدد من دول المنطقة والسعودية تحديداً من المواشي الحية واللحوم المبردة. وهو ما يعتبر خطوة مهمة في إعادة رسم خريطة تجارة المواشي بما يكفل استيراد مواشي ولحوم صحية وآمنة من دولة مجاورة وبأسعار مناسبة ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة بما يتفق مع رؤية السعودية 2030. وتعتبر مشاريع المربعات الصحية، جزءاً من الاستثمارات الاقتصادية المهمة التي تضعها الدول المتقدمة محل اهتمام كبير بدعم من المنظمة العالمية للصحة الحيوانية WOAH، ويطلب من الحكومات العمل على تشجيعها وتقديم المساعدة على إنشائها، لما لها من دور كبير في صد الأمراض الحيوانية واتخاذ الإجراءات الوقائية للحد من تأثيراتها على الثروة الحيوانية المحلية. ويؤكد القائمون على المربع الصحي للمواشي على أن الدافع الأساسي لإقامة المشروع، نابعة من أهمية تزويد دول الخليج وتحديداً السعودية بمواشي صحية من مناشئ متعددة ينطبق عليها جميع المعايير الصحية التي تفرضها المنظمة العالمية للصحة الحيوانية وقانون الحجر البيطري لدول مجلس التعاون ولائحته التنفيذية، ويضمن صحة وسلامة المستهلك، إلى جانب تلبية حاجة السوق السعودية ذات الطلب المرتفع وزيادة المعروض من المواشي كما ونوعا للسيطرة على الأسعار. المؤشرات الإيجابية وأوضح القائمون على المشروع أن المربع الصحي يعد الأول من نوعه حالياً على مستوى الشرق الأوسط كسوق إقليمية متكاملة لاستيراد وتصدير المواشي واللحوم إلى دول المنطقة، حيث يتم إخضاعها للحجر والرقابة الصحية الصارمة وفق أربع مراحل، بدأت من إرسال لجان فنية لفحص المواشي في بلد المنشأ قبل استيرادها، وفحصها عند وصولها ميناء العقبة في الأردن، وعند دخولها للمربع الصحي، وكذلك عند إعادة تصديرها إلى دول المنطقة. ومن أهم المؤشرات الإيجابية التي يحققها المشروع سواء للبلدان المستوردة أو المصدرة هو تحفيز وتوجيه الاستثمارات المتعلقة بالأمن الغذائي في ظل ما تشهده أسواق الغذاء العالمية من اضطرابات، وحماية الدول المستوردة للمواشي من مخاطر دخول أمراض من دول العالم وتأثر الثروة الحيوانية المحلية بها، إلى جانب فتح الأسواق وتنوع المصادر وتحقيق الوفرة من اللحوم الحمراء طوال العام مما يؤدي بدوره في خفض أسعار المواشي الحية وانخفاض أسعار اللحوم المبردة والمجمدة وهو ما يصب في مصلحة المستهلك. إرسال فرق تفتيش ميدانية ومن الإيجابيات التي يمكن أن تحققها الدول المستوردة للمواشي عند الاستيراد عبر المربع الصحي، أنه يمكنها إرسال فرق تفتيش ميدانية للمراقبة والمتابعة الصحية الدائمة والوقوف على جميع مراحل الحجر التي تمر بها المواشي قبل تصديرها، وكذلك خفض حجم ومدة دوران رأس المال وحجم مخاطر تجارة المواشي عبر استيراد كميات كبيرة بالبواخر وهو ما يحد من المغامرة السلبية ويشجع كافة فئات المستوردين على الاستيراد من المشروع والتعامل بحمولات الشاحنات، مما يقلل على المستوردين استهلاك الموارد الطبيعية وتوفير استهلاك الأعلاف والمياه ومصاريف التشغيل والرعاية. ويوفر مشروع المربع الصحي سوقًا فورية لحالات الطوارئ، حيث يمكن للدول المستوردة الحصول على إمدادات المواشي بأقصى سرعة عند حدوث نقص مفاجئ، ويساعد في ضمان استقرار السوق المحلية خلال الأزمات الاقتصادية أو الصحية -لا سمح الله-، وخلال المواسم مثل موسمي رمضان والحج، كما يتيح التعامل مع مشروع المربع الصحي للبلد المستورد فرصة شراء سلالات نادرة وفاخرة من المواشي ذات جودة عالية تخدم قطاع الأسواق الفاخرة والمطاعم والفنادق الراقية خاصة وأن المملكة مقبلة على استضافة مناسبات عالمية وإقامة محافل دولية. ومن الإيجابية التي يحققها التعامل مع المربع الصحي أنه يسمح بشراء المواشي من مناشئ متعددة في شاحنات صغيرة، بدلاً من الاعتماد على شحنات بحرية كبيرة يصعب تقسيمها، كما أنه يساعد صغار المستثمرين والمستوردين في تنمية أعمالهم تدريجيًا، ويتيح لهم آليات بيع مرنة تسمح بدخول تجار جدد إلى السوق دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في الشحنات الكبيرة، مما يخلق بيئة أكثر تنافسية ويعزز من نمو قطاع تجارة المواشي، كما أن التعامل مع المربع الصحي يمنح للتجار الجدد فرص الدخول إلى سوق المواشي بأقل تكلفة وأقل مخاطر، مما يدعم نمو قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة. ويسهم المشروع في تخفيف الضغط على الموانئ التي تعتبر بوابة رئيسة لاستيراد المواشي، وتحسين توزيع حركة الشاحنات عبر النقل البري، وتوفير تكلفة الشحن البحري، إلى جانب اختصار مدة الاستيراد مقارنة بالدول الأخرى، إذ إن مدة الشحن للسوق السعودية لا يتجاوز ال 72 ساعة لأن عمليات حجر المواشي في المربع الصحي ستكون مستمرة على مدار العام ويمكن تصدير الكميات المطلوبة في أي وقت، كون المشروع قريب من الحدود الشمالية للمملكة. وفيما يتعلق باختيار موقع المشروع أفاد القائمون على المشروع بأن إقامة المربع الصحي للمواشي في محافظة معان في المملكة الأردنية الهاشمية وفي منطقة تنموية تابعة للصندوق الهاشمي لتنمية البادية الأردنية، كان بناء على المعايير الدولية التي حددتها المنظمة العالمية للصحة الحيوانية WOAH لكونها منطقة صحراوية معزولة وقربها من الأسواق الاستهلاكية في الخليج العربي ودول الجوار، وكذلك قربها من ميناء العقبة والمراكز والمعابر الحدودية، إضافة إلى بعد المنطقة عن التجمعات السكانية وتوفر المعايير والاحتياطات اللازمة التي تضمن السلامة البيئية. وهناك بعض الاعتبارات التي تم أخذها في الحسبان من وراء إقامة هذا المشروع في الأردن والتي من بينها أن يكون للمربع الصحي دورًا في خدمة دول الإقليم المصدرة للمواشي، ودعم جهود الأردن المستمرة على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية للتغلب على التحديات السياسية الاقتصادية والاجتماعية، ورفع حجم التمثيل التجاري، حيث من المتوقع أن يساهم المشروع في رفع حجم التبادل التجاري بين الأردن والدول المستفيدة من المشروع فيما يرتبط بتجارة المواشي إلى أكثر من مليار ريال سنويًا.