حذّرت هدى القحطاني -مدربة المهارات السلوكية- من تنامي ظاهرة التنمر الوظيفي داخل بيئات العمل، مؤكدةً على أن هذا السلوك يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الموظفين النفسي والمهني، ويقود في كثير من الحالات إلى مغادرة الكفاءات لوظائفها، بل وحتى مناطق سكنها. وقالت: إن التنمر الوظيفي لا يعبّر عن حزم إداري، بل هو سلوك اضطرابي يمارسه بعض المديرين من خلال استغلال السلطة في السيطرة على الموظفين والتضييق عليهم دون وجه حق، مبينةً أن جذور هذا السلوك تعود غالبًا إلى تجارب تنمر تعرض لها المتنمر نفسه في مراحل مبكرة من حياته، ما جعله يعيد إنتاج العنف بشكل انتقامي في محيطه المهني. وأضافت أن بيئات العمل التي يغيب عنها الوعي بهذه السلوكيات تتحول إلى أماكن طاردة وغير جاذبة، حيث يُجبر الموظف على التعايش مع ضغوط نفسية مزمنة قد تدفعه للاستقالة أو العزلة أو حتى مغادرة القطاع بالكامل. وأشارت إلى أن غياب الكفاءة الإدارية وسوء القيادة يعززان من تفشي هذه الظاهرة، مشيرة إلى أن بعض المديرين، خاصة عديمي الخبرة، يلجئون إلى أساليب عدوانية في التعامل، مثل توجيه الاتهامات دون التحقق أو اللجوء للعقاب بدلًا من الحوار. وشدّدت على أهمية التوعية المؤسسية، من خلال تعريف الموظفين والمديرين بحقوقهم وواجباتهم، وتفعيل اللوائح الإدارية لمواجهة التنمر، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية تُعنى بالسلوك الإداري وتطوير بيئة العمل، داعيةً إلى إطلاق حملات توعية دورية داخل المؤسسات، للتحذير من خطورة انتشار التنمر ك"عدوى تنظيمية"، قد تنتقل من قائد إلى آخر، وتنعكس سلبًا على أداء الفرق وتعطّل الإنتاج. وفي رسالة مباشرة للمتنمرين في بيئة العمل، قالت هدى القحطاني: إن الأثر الذي يتركه الإنسان لا يُقاس بمنصبه أو سلطته، بل بما يزرعه من احترام وأخلاق في نفوس من حوله، مضيفةً: "سيمضي الجميع، لكن تبقى الذكرى، دعوا الآخرين يتحدثون عنكم بود ويدعون لكم بخير، فالحياة أقصر من أن تُهدر في الإساءة للآخرين أو فرض الهيمنة"، مؤكدةً على أن الأثر الإنساني هو ما يصنع الخلود الحقيقي.