على الهاتف أخبرني بصوت حزين أنه لم يستطع حضور أمسيتي لسبب جلل، المرسم الذي يعمل به والذي أخرج منه كل الأعمال الفنية البديعة التي نراها في أجمل ميادين جدة وغيرها من مدن المملكة، سيغلق. يا للخبر الحزين. صاحب المبنى قرر أن يهد المبنى، والبدروم الذي احتضن ربيع أربعة وأربعين عاما سيزال من الوجود. لم يكن المرسم مجرد مرسم يضم فنانا يعمل على رسوماته وتصميماته وينفذ أعماله فيه، كان أكثر من ذلك بكثير. زرته البارحة، أودع المكان الذي زرته كثيرا في الماضي. كما كان يزوره الكتاب والفنانون والمثقفون، كم دارت في هذا المكان حوارات، وكم تعلم فيه فنانون. جلس عبدالله إدريس وربيع الأخرس بالأمس يتذكرون قصصا وحكايات حدثت في المكان، يا ألله، لو كان المكان يتحدث. أشار إدريس بيده إلى أحد الأركان وقال: هنا، اجتمع عدد من كبار مثقفي جدة وقرروا إنشاء بيت التشكيليين، في هذا المكان صدر القرار. أكبر الأسماء التشكيلية كانت تأتي إلى هذا المكان، مثقفي جدة أيضا، وفناني سوريا الذين يعرفون ربيعا ويزورونه في بيته ومرسمه. أتى شابا صغيرا، درس الفن في سوريا، ويتذكر كيف أنه أول شخص في سوريا يدون في المهنة في جواز السفر أنه فنان تشكيلي. جدة أصبحت بيته، وميادينها معرضه. نشر فيها جماله وخيوله في وقت لم يكن نحت الأرواح مسموحا أو حتى متخيلا، لكنه استطاع بروح الفن والتحدي أن يصنعها، ناله وقتها ما ينال الذين يقفون ضد التيار، لكنه لم يهتم كثيرا، كان النجاح في عرض الأعمال يمسح كل تعب أو خطر. الصدى الذي أحدثته تلك الأعمال جعلته يمضي في الطريق ولا يبالي. تقف إلى جانبه زوجته الفنانة قمر الدروبي، بابتسامتها الخلابة وروحها الجميلة، على مدى السنين، تؤازر، وتساعد، وتقف وقفة الأبطال، لا نعرف ربيع بدون قمر، وأكاد أجزم أنه لم يكن هناك ربيع لولا قمر. حاضرة، بروحها، ورأيها وقوتها، وثقافتها، حاضرة بحبها وجمالها وكل ما تمثله المرأة القوية التي لا تتخلى عن شيء، البيت والزوج والفن والعائلة. سينتقل المرسم إلى مكان آخر، لكن ذكرى المكان الذي كان لن تغيب. لأني ابنة جدة، ولأنني أعرف ربيعا منذ لا أذكر كم من السنوات، ولأني أعرف كم ساهم وأعطى للفن التشكيلي في جدة، أكتب هذا المقال، ربيع الأخرس الذي أعطى جدة والعديد من مدن المملكة الكثير من منحوتاته وفنه وعلمه.. لكل الجمال الذي منحنا.. أريد أن أقول شكرا..