نائب أمير القصيم يطلع على منجزات جمعية العناية بالمساجد برياض الخبراء    مدير تعليم الطائف لمديري ومديرات المدارس: بكم نمضي بثقة نحو التميز    مُحافظ الطائف يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب السعودي إلى كأس العالم    انطلاق فعاليات معرض "لا تفتح مجال" للتوعية بالأمن السيبراني    نائب أمير الشرقية يثمّن دعم القيادة للرياضة السعودية بعد تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2026    مخبأة في شحنة مكسّرات.. "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من مليوني قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    (إثراء) يتجاوز المليون ساعة تطوع بمشاركة 24 ألف متطوع و30 ألف طامح لصنع الأثر    أمين الشرقية يفتتح ملتقى اليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث 2025    2.2% نسبة التضخم بالسعودية في سبتمبر 2025    صندوق النقد يرفع توقعاته للنمو العالمي في 2025.. وترامب يلوّح بإجراءات تجارية ضد الصين    فرع هيئة الصحفيين السعوديين بجازان ينفذ ورشة عمل "السرد القصصي في العمل الإعلامي"    القصيبي في كتارا.. رمز وجمع في سيرة فرد وشعروائية    مجلس الصحة الخليجي يطلق حملة (أوزنها)    ترامب يدافع عن قيود جديدة على الصحفيين    نائب أمير حائل يزور مشروع "إرث" التراثي العائلي بعقدة    السديس يتفقد استعدادات الرئاسة لانطلاق ملتقى مآثر الشيخ عبدالعزيز بن صالح    حقائق رقمية تُزين مشوار تأهل المنتخب السعودي لكأس العالم 2026    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    للمرة السابعة في تاريخه.. الأخضر السعودي يتأهل إلى مونديال 2026    السعودية مركز عالمي للخدمات اللوجستية    نائب أمير مكة المكرمة وأمراء يواسون آل نصيف    وزير الأمن الإسرائيلي يقتحم الأقصى    توقّع بتوهّجات شمسية الأيام المقبلة    إحباط تهريب 74 كجم حشيش و45 ألف قرص إمفيتامين    إعادة فتح برنامج فرص لشاغلي الوظائف التعليمية    إسناد تشغيل وصيانة محطات تنقية «السدود» و«الجوفية» لهيئة المياه.. مجلس الوزراء: تعديل نظام مهنة المحاسبة وتنظيم صندوق التنمية الوطني    70 مليار دولار لانتشال غزة من تحت الركام    الأمم المتحدة تطالب بفتح جميع المعابر الى غزة    كود الطرق السعودي نقلة لتفعيل مواصفات السلامة    "الصحراء والبحر" يلتقيان في معرض "آل خليفة"    برشلونة يخوض الكلاسيكو بقميص المغني شيران    كيف ينظر العماني للقراءة؟    محلك «صفر»!    128 ألف سجل تجاري جديد    ترأس اجتماع لجنة الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: مضاعفة الجهود لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    تحت رعاية أمير الرياض.. نادي الطيران يكشف تجارب مبهرة لمعرض 2025    إنقاذ عشريني من «فطريات أنفية» خطيرة    عبر نموذج ذكي يعزز دقة التشخيص وجودة الحياة.. «التخصصي» يرسخ ريادته في طب الأعصاب    وجبة «برغر» إسبانية بسعر سيارة    اللعب على المصطلحات: صراع اللغة في زمن الإبادة    حينَ تَتكلَّمُ الرِّياضُ... يَصمُتُ الإملاء    الرجال حسموها    حاضرون وداعمون    سالم الدوسري: تأهل يدل على قوة منتخب السعودية    بوصلة السلام    المملكة أوقفت الحرب في غزة وتسعى لدولة فلسطينية    عون يأمل وقف العمليات الإسرائيلية لبدء التفاوض    رونالدو يصبح أفضل هداف في تاريخ تصفيات كأس العالم    مشاركة الجموع عطّلت العقول بالركض خلف الترندات    متعة الترفيه    ختام الآيات ومناسباتها وعلاقتها بما قبلها    أمير الشرقية يصدر قراراً بتعيين البقعاوي محافظاً للنعيرية    مجلس الوزراء: تعديل نظام مهنة المحاسبة والمراجعة    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    الكلمة الطيبة.. محفّزة    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    المدينة تحتضن ملتقى علمياً لمآثر شيخ الحرم ابن صالح    «الحياة الفطرية»: إجراءات شاملة لصون الطيور المهاجرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المملكة بين إدارة «الحشود» و«النزاعات»
نشر في الرياض يوم 24 - 03 - 2025

في منطقة اعتادت أن تكون ساحة للتجاذبات لا التوازنات، تُقدّم السعودية اليوم نموذجًا مختلفًا لا يتكئ على صخب الشعارات ولا على نبرة التحدي، بل على منطق "التحكم في الفوضى دون الانزلاق فيها"، وهذا المنطق ليس وليد اللحظة، بل ثمرة تراكم خبرات، وتحوّل في فلسفة الدور السعودي من ردّ الفعل إلى هندسة الفعل.
وفي زمن ترتفع فيه الحواجز وتتعالى الضوضاء، تُتقن السعودية وحدها فن إدارة الحشود من طواف المعتمرين حول الكعبة إلى جمع الساسة حول طاولات المفاوضات، وحتى ملايين الزوار الذين يتوافدون على موسم الرياض.
ومن يعتقد أن إدارة الحشود في الحرم المكي هي مجرد لوجستيات ذكية وكاميرات ذكية وروبوتات لتوزيع ماء زمزم، فهو لا يدرك حقيقة ما يحدث فعلا، الحرم هو نموذج مصغّر لعالم معقد ومتنوع: طوائف، ثقافات، لغات، وطبقات اقتصادية، كلها تلتقي في مساحة روحية واحدة، وتتحرك وفق نظام دقيق، بلا صدام وهذا ليس فقط إدارة حشود، بل هو تمرين حي على "الهندسة الاجتماعية الدقيقة".
هذه "الهندسة الاجتماعية" ليست محصورة في المجال الديني.. انظر إلى موسم الرياض، وسترى النسخة المدنية من نفس الفكرة: ملايين من الناس، من خلفيات وثقافات وأعمار مختلفة، يتنقلون من مسرح إلى مطعم إلى معرض، في انسجام لا تراه في كثير من عواصم العالم، ومن موسم الرياض إلى المشاريع الثقافية والسياحية، إلى احتضان الفنون والحوارات الفكرية، تشتغل السعودية على تفكيك مفهوم "الزحام"؛ ليس فقط زحام المكان، بل زحام المفاهيم والتصورات عن الذات والعالم؛ إنها تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين الفرد والجماعة، وبين الداخل والخارج.
ومن ينجح في ضبط هذه الديناميكيات، يملك مؤهلًا غير معلن لإدارة ديناميكيات أكثر تعقيدا: الأزمات الجيوسياسية.
إذ ما يجري داخليًا، ينعكس خارجيًا في مقاربة السعودية لملفات السياسة الدولية، الحياد الذي مارسته في الأزمة الأوكرانية ليس موقفا رماديًا، بل صيغة مدروسة من "الحياد الفاعل" الذي سمح لها بالوساطة دون الارتهان، وبالإصغاء إلى جميع الأطراف دون أن تكون أسيرة لأي منها. وعندما استضافت قمة جدة لمناقشة الحرب الروسية الأوكرانية، لم تكن المملكة فقط مضيفة، بل كانت تمسك بالخيوط التي لا يمسك بها إلا من يفهم لغة الحشود الكبرى. والأمر ذاته يتكرر في الملف السوري، حيث تخرج السعودية من عباءة الخصومة المطلقة إلى دور الحليف والسند، وفي لبنان، حين ترنحت الدولة وعلا صدى الفراغ، تعاملت المملكة مع انهيار الدولة بمنطق التبريد لا التورط.
في كل ما سبق لم تسعَ السعودية، إلى فرض رؤيتها، بل إلى صياغة معادلات تُمكّن الجميع من العودة إلى الطاولة. وهذا بحد ذاته انتقال نوعي في التفكير الاستراتيجي الخليجي، لم تعد الأولوية للموقع فقط، بل للدور. ولم تعد السياسة الخارجية امتدادًا للقلق، بل مشروعا لتوسيع الهامش.
ما الذي يجمع بين الزحام المقدّس حول الكعبة، والصمت المشحون في محادثات الحل السياسي بين روسيا وأوكرانيا؟ بين أصوات الموسيقى في موسم الرياض، وصدى الانفجارات في المحيط؟ إنها فكرة واحدة: "كيف تلجم الفوضى دون أن تتحول أنت إلى جزء منها".
غاية القول؛ إن السعودية لا تُقاس فقط بعدد ناطحات السحاب أو حجم الاستثمارات، بل بقدرتها على لعب أدوار معقدة في مساحات معقدة، دون أن تفقد توازنها الداخلي. إنها تمزج بين الدقة الهندسية في إدارة الحشود، والدقة الاستراتيجية في إدارة النزاعات، وتلك مهارة نادرة، إن لم تكن فريدة.
وفي هذا العالم الذي بات يتوق لقوى عقلانية قادرة على بناء الجسور لا الحواجز، وحدها المملكة تدرك أن بناء الجسور أصعب من رفع الأسوار، وأن ضبط الحشود -أياً كان نوعها- يتطلب أدوات أكثر دقة من القوة. ولهذا، فإنها لا تدير الفوضى من الخارج، بل تبني نظاما من داخلها؛ فتبدو المملكة وكأنها تقول: نحن لا نمتلك فقط القدرة على ضبط الإيقاع.. بل بدأنا نكتب النوتة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.