صبي يطلب من الإنجليزي داوتي الصلاة على جنازة شقيقه الرضيع ذكرنا في الحلقة الماضية قصة قدوم المستشرق الإنجليزي داوتي الى عنيزة سنة 1878م وهي تعاني من انتشار مرض الجدري الذي لم ينج منه أي منزل في البلدة وكيف التقى داوتي بناظر او مدير المدرسة الذي كان يمارس الطب اجتهادا من بعض الكتب الطبية التي جلبها بصعوبة من أماكن مختلفة والذي مارس عملية التطعيم الا انه لم يستطع اتقان العملية فمات أكثر او كل المرضى الذين قام بتطعيمهم رافق ذلك عدم اهتمام بعض الأهالي بالتطعيم وترك الامر لعناية الله واستشهد بما قام به أحد تجار عنيزة وهو الوجيه عبدالله البسام في العام السابق لقدومه عندما جلب كمية من الطعم من العراق ولكنه لم يتجاوز جدران منازلهم على الرغم من ايمانهم بأن الدين الإسلامي يحث على التداوي وبحث أسباب الشفاء من الامراض وبين لهم داوتي أهمية ذلك الطعم مقترحا عليهم ان يرسلوا المعالج محمد ناظر المدرسة المذكور الى الشام او العراق حتى يتعلم طريقة التطعيم واستخلاص عينات الطعم التي تؤخذ من المصابين بالمرض بل انه تبرع بالذهاب بنفسه لجلب التطعيم من العراق إذا امنوا له راحلة. في هذا السياق يقول داوتي: لقد تزايد مرض الجدري وانتشر في البلدة ذلك العام وبلغ عدد الوفيات ثلاثين طفلا (ويعد هذا في حينه رقما كبيرا جدا نسبة الى عدد سكان البلدة) وذكر ان أولياء الأمور الذين كانوا يستدعونه لفحص أطفالهم يتعجبون عند ما يرون الحكيم يتحاشى تنفس هواء الغرف الموبوءة – والسبب في ذلك انهم سمعوا منه انه سبق تطعيمه في بلده ضد مرض الجدري. حيث يشيع بين الناس هنا في هذه الأجزاء من نجد كما يقول – مقولة مفادها أن الانسان متى ما جرى تحصينه ضد مرض الجدري فإنه لا يمكن أن يصاب بالمرض او العدوى مطلقاً. وهم يقولون أيضا بحسب داوتي: إن كل تلك المئات التي جرى تطعيمها بواسطة معالج اسمه أبو فارس وذلك قبل ثلاثين عاما لم يصب أي احد منهم بذلك المرض – ومن حسن الحظ كما قال ان ذلك الطعم يستمر فترة طويلة في اجسام سكان أو أهل الجزيرة العربية. ويروي داوتي قصة محزنة عندما صادف طفلا او صبيا كان يحمل جثة أخيه الرضيع وطلب منه ببراءة ان يشاركهم الصلاة عليه فيقول: اثناء عودتي من احدى الامسيات التقيت ولداً صغيراً في الشارع – وقال لي بنغمة حزينة: تعال صل على هذه الفرادة يقصد (الفرط) ويطلق على الطفل الرضيع او المولود حديثا – بمعنى صل على هذا الميت – كان هذا الطفل كما يقول يحمل لفافة بين ذراعيه ومتجها صوب المدفن – ويضيف داوتي: في ذلك الوقت كان هناك خمسة او ستة أطفال يموتون كل يوم. وفي النهاية لم تنج أسرة واحدة في عنيزة من ذلك الوباء ( اهل نجد يقولون عن مرض الجدري يصيب بمعنى يميت او يعيب أي يترك عاهة مثل التشويه او فقدان البصر ) وكان الناس هنا بحسب داوتي يرفضون أي دواء في حالة الإصابة بالجدري ولما كان الابن الوحيد لواحد من أصدقائه قد اوشك على الموت وكان بوسعه ان يعطيه الدواء رفض والده وقال قد يرضى الله وينقذ هذا الطفل هو وعينيه – وخلال يومين توفي الولد وعندما التقى ذلك الأب المكلوم في الشارع واساه بحرارة وقال هدي من روعك سيعطيك الله ولدا آخر وطرح عليه سؤالا للتأكيد وهل مات الطفل؟ رد الاب الحمد لله لقد دفنته بالفعل – لقد ذهب الى خالقه. بدايات التطعيم في منطقة الخليج الجدري لدى الأطفال