«وطنٌ اسمه فيروز»، تحت هذا العنوان وفي عملٍ جماعيٍّ هو الأوّل من نوعه أطلتّ مؤسسة الفكر العربي على العالم بإصدار خاص ًمن دوريّة «أفق»، يتضمّن مجموعةً من المقالات والدراسات والشهادات التي تتناول مختلف جوانب مسيرة فيروز الغنائيّة ورحلتها الفنيّة، وزيّنت الإصدار باقةٌ من الرسومات المستوحاة من حياة فيروز وأغانيها، بمشاركة كوكبة من الكتّاب والباحثين العرب الذين أجمعوا على الاعتراف بفرادة فيروز، صوتاً وأداءً، وبعبقرية الرحابنة، نصوصاً وألحاناً وموسيقى.. ويأتي هذا الإصدار كبادرة تكريمٍ للسيّدة فيروز وتقديراً لجهود الذين أسهموا في اكتشاف موهبتها الفريدة وإطلاقِ مسيرتها الفنيّة المتألقة وفي طليعتهم ثلاثيّ الرحابنة، منصور وعاصي وزياد. يأخذنا الإصدار في رحلة شيّقة وممتعة نتعرّف خلالها إلى إرث فيروز والرحابنة. تبدأ الرحلة بإطلالات عامّة حول «امرأة شرقيّة أيقظت القلوب»، و»أعطت الأُغنية اللّبنانيّة هويّةً مستقلّةً». نعرّج بعدها على الكلمات في أغاني فيروز ونصوصها المستقاة من ديوان الشعر العربيّ، كما من تجارب الشعراء المعاصرين، وقد اجتمعت فيها بصورةٍ مبهرةٍ ثنائيّات التراث والحداثة، الرومانسيّة والواقعيّة، المحلّي والعربيّ، فضلاً عن الأبعاد الإنسانيّة الكونيّة. ويفرد المؤّلفون حيّزاً واسعاً لرصد الدلالات الوطنية والقومية للعالم الرحبانيّ المبتدَع، وقوّة حضور المدن والبلدان العربيّة في الأغنية الفيروزيّة، وما كان لها من دورٍ بارزٍ في تثبيت الحقّ الفلسطيني بالأرض والعودة. ونجدُ في طيّات الإصدار إضاءةً على الصلاة في أغاني فيروز وما تجسّده تلك الأيقونة الروحيّة - الفنيّة من سابقةٍ قلّ نظيرها لجهة الجمع بين الغناء والترتيل. قبل أن ننتقل إلى دور السيدة فيروز في السينما وعلى خشبة المسرح، حيث نتعرّف إلى الشخصيّات التي أدّتها فيروز في الأعمال الدراميّة، فضلاً عن «ثلاثيّة فيروز السينمائيّة» التي أضفت على مسيرتها المزيد من التنوّع والنجاح. المحطّة التالية في رحلتنا هذه عنوانها حضور فيروز على الصعيدَين العربي والعالمي، حيث يتحدّث المؤلّفون عن علاقة فيروز بالجمهور المصري وموقعها لديه، فضلاً عن مساحةَ الضوء التي تحتلّها في الخليج العربيّ، كما يمرّ أحدهم على وجهة نَظرٍ جزائريّة حول فيروز، ويقدّم آخر مقاربةً منهجيّةً بين «فيروز وأمّ كلثوم» مبيّناً أوجهَ الائتلاف والاختلاف التي أدّت إلى ولادة تيّار موسيقيّ لبنانيّ مستقلّ عن نظيره المصري. كما يخصّص الإصدار مساحةً للتعبير الذاتي عن علاقة المستمع بفيروز من خلال شهادات الكتّاب التي تتحدّث عن فيروز بوصفها «نجمة الأجيال المتعاقبة»، مُلقيةً الضوء على أسباب استمراريّة هذه النجوميّة على مدى سبعة عقود متتالية، استقرّت خلالها أغنيات فيروز بعمق الوجدان ودائرة التذوّق المتجدّد. أخيراً، وبين السيرة والمسيرة، نقرأ عن بدايات المشروع الرحبانيّ وعن تطوّره ومآلاته وإرثه المتماوج بين اليوتوبيا والدستوبيا. كما نقرأ عن صوت فيروز الذي أتى، عبرَ المثلّث الرحباني، محمولاً على تغييراتٍ عميقة في المُجتمع اللّبناني وتطلّعاته. يسعى هذا الإصدار، من خلال تعدّد الكتّاب وتنوّع مقالاتهم ومقارباتهم، إلى الإحاطة بتجربة فيروز من مختلف جوانبها، ما يجعله مرجعاً يرفد قرّاءه بالجديد والمفيد والممتع. أمّا اختيار ظاهرة فيروز والرحابنة بالذّات موضوعاً لهذا الإصدار الخاصّ «فلأنّهم خير مَن يمثّل وجهاً من ألمع وأجلى وجوه منظومة المشترَكات الثقافيّة العربيّة التي لا تني مؤسّسة الفكر العربيّ تدعو، وبإلحاح شديد، إلى إبرازها والبناء عليها في المشروع الهادف إلى تحقيق التكاملِ العربي المنشود،» وفق ما جاء في مقدّمة الإصدار. فيروز والأخوان رحباني محاطون بالمستقبلين لدى وصولهم إلى باريس فيروز وزوجها الراحل عاصي الرحباني