تعد التكوينات الجبلية المختلفة بأنماطها وأشكالها المتباينة من مكان إلى آخر محركا ثوريا ولحظيا كبيرا لقريحة الشعراء وملهبا وملهما لإبداعات الفنانين والمهتمين بالذائقة الفنية على مر العصور، ولا شك أن مرتفعات جبال السروات أنموذج مهم وفريد على التفرد والإبداع الشعري المختلف، كيف لا والشاعر يلامس الضباب ويرى مع النور قطرات الندى تغسل أوراق العرعر والشث والطلح وتنبعث رائحة المطر من أغصان الطلح والسمر ومن الريحان والوزاب. وعلى مر العصور والأزمان تناغم وتفاعل إنسان الجبل مع تلك الإبداعات الربانية وأخذ يكون المدرجات الزراعية ويزرعها ويبني بيته من الحجارة والطين وسيقان الأشجار الضخمة مستفيدا من مكونات بيئته الغنية والمتعددة. ووسط ذاك التفاعل الحياتي والعمل اليومي في تلك الحقول الغناء والجبال الخضراء تجود قريحة الشاعر بأهازيج متنوعة ويحفظ الناس معه ويرددون بكل حب تلك الموروثات الجبلية في وسط مزارعهم عند الحرث والسقيا والصريم وتنشد النسوة ما يحفظن وسط الجبال وهن يقتطعن الحطب ويحملن الزرع من المزارع يدا بيد مع الرجال في عمل اجتماعي وإبداعي إلى أوساط الجرن لتبدأ عمليات الحصاد من الدوس والذراة... وتخزين الحبوب والاستفادة من بقيا الزرع في غذاء الحيوان، وقد تطورت وتعددت أوقات تفعيل تلك الفنون سواء في المزارع أو الزواجات أو الأعياد وفي مناسبة أخرى مثل بناء الجدران المرتفعة وحمل المعادل من أوساط الغابات في الأطوار والإصدار التهامية لبناء المنازل وغيرها. ولا شك أن الفنون الجبلية متعددة ومتنوعة من قرية إلى أخرى ومن قبيلة إلى قبيلة لكن في الغالب تجتمع في العرضة والخطوة واللعب الشهري والمجالسي والمسيرة وأن كانت قبيلة عسير وتحديدا قبائل رجال ألمع والقرى المطلة عليها من جهات السودة والأشعاف تشتهر بلون الدمة الحربي الجميل وهنالك من الشعراء من تخصص فيه فقط، وتؤدى تلك الفنون حركيا بأشكال وحركات مختلفة، وكذلك بإيقاعات متنوعة تخص كل فن بإيقاعاته المميزة، وتستخدم فيها الأدوات القديمة من التنكة والبرميل والمهراس وغيرها في المساء، وتسمع أصوات العامة والشعراء وهم يطرقون "ويلالاون" في أعلى ووسط الجبال أي يؤدون ذلك الفن الجبلي بما يسمى قديما الطروق، وهو جزء من الغناء الجبلي الذي ارتبط بالمكان والإنسان. ولا شك أن تلك الفنون الأدائية جلها يدور حول الطرق الجبلي وفيه تتجلى إبداعات الشاعر وترديد الصفوف للكلام والتحرك في حركات مختلفة ومرتبة لا تلحظ فيهم أي خطأ في الأداء وهي نموذج مسرحي متكامل ومتناغم أملته عليهم بيئتهم الجبلية الشاعرة فكان لهم هذا الأداء وهذا الإبهار الشعبي الذي يشد إليه الجميع.