تغمر المشاعر المقدسة في مكةالمكرمة، وأمام الكعبة في بيت الله الحرام، القلوب بفيض من الشعور يملأ الخلايا والحنايا، وفي الحرم النبوي بالمدينة المنورة وأمام قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعمر الوجدان بالإيمان بالله العظيم الواحد الأحد، وتفيض العيون بالدموع أمام المشهد الكبير، وتنتفض أعطر الذكريات تملأ الخيال والحواس، ويحس الناس، كل الناس، بعظمة الإسلام وعالميته. وإنسانيته في مشهد الحج المهيب الذي يتساوى فيه شكلًا ولبسًا وعملًا الملايين: الغني والفقير، الأبيض والأسود، الأحمر والأصفر، من كل القارات والأجناس والألوان واللغات، تنصهر البوتقة في تلبية توحيد واحدة تعم الدنيا: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.. كل المشاعر تفيض إيمانًا وتجيش تعظيماً للرحمن من الحجاج والركع السجود في منظر يبهر المشاهدين في كل أصقاع العالم. وعندما تُشد الرحال إلى مكة؛ في موسم الحج صوّر الشعراء أثر رحلة الحج في نفوس المودِِّعين والمودَّعين في قصائد عديدة ومنهم الشاعر منصور الخرقاوي يصف مشاعره حينما حجت والدته ومنعه المرض من أداء الحج: من لعينٍ كلما تنشف تجم دمعها يشذى مثل عدٍّ رزين أمس أنا واليوم ماخذني العزم ودي أقعد عن وداع الراحلين حيث قلبي مني اليوم انقسم قسمتينٍ من يسار ومن يمين محدٍ قلبه من الدنيا سلم أحمد المحمود في شدّة ولين عاقني عن شوف بيتك والحرم عارضٍ ويايّ من مدة سنين ياخفي اللطف يا باري النسم الطف لحجّاج بيتك زايرين من سموم القيض من حرٍ بسم شرها وحرورها بأمرك يهين مشترين رضاك ياربي أمم وانت أعلم في قلوب الصادقين جمعهم يشدي لغيمٍ مرتكم للدعا حتى الجمل قلبه يلين العرب تسعى لها ويّا العجم كلهم من صوب وجهك قاصدين من يرى قبر النبي المحترم هل دمعه هوّله حق اليقين عاقني عن شوف بيتك والحرم عارضٍ ويايّ من مدة سنين والشعراء في هذه المواقع العظيمة والمواقف الآسرة تمتلئ نفوسهم بأرقى المشاعر ويفيض منها غيض من فيض ليصور بعض ما خالج النفس: أهيم بروحي على الرابية وعند المطاف وفي المروتين وأهفو إلى ذِكَرٍ غاليه لدى البيت والخيف والأخشبين فيهدر دمعي بآماقيه ويجري لظاهُ على الوجنتين ويصرخ شوقي بأعماقيه فأُرسل من مقلتي دمعتين أهيم وقلبي دقاته يطير اشتياقاً إلى المسجدين وصدري يضج بآهاته فيسري صداه على الضفتين أهيم وفي خاطري التائه رُؤْى بلدٍ مشرق الجانبين يطوف خيالي بأنحائه ليقطع فيه ولو خطوتين أُمرِّغ خدي ببطحائه وألمس منه الثرى باليدين وأُلقي الرّحال بأفيائه وأطبع في أرضه قبلتين أهيم وللطير في غصنه نُواح يزغرد في المسمعين فيشدو الفؤاد على لحنه ورجع الصدى يملأ الخافقين فتجري البوادر من مزنه وتبقي على طرفه عبرتين تُعيد النشيد إلى أذنه حنيناً وشوقاً إلى المروتين «طاهر زمخشري » أهيم بروحي على الرابية وعند المطاف وفي المروتين القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال يا عين واللي صدق في الحب قليل وإن دام يدوم يوم .. ولا يومين واللي هويته اليوم دايم وصاله دوم لا يعاتب اللي يتوب ولا في طبعه اللوم واحد مفيش غيره ملا الوجود نوره دعاني لبيته لحد باب بيته ولما تجلالي بالدمع ناجيته كنت أبتعد عنه وكان يناديني ويقول مصيرك يوم تخضع لي وتجيني طاوعني ... يا عبدي طاوعني أنا وحدي مالك حبيب غيري قبلي ولا بعدي أنا اللي أعطيتك من غير ما تتكلم وأنا اللي علمتك من غير ما تتعلم والي هديته إليك لو تحسبه باديك تشوف جمايلي عليك من كل شيء . أعظم سلم لنا تسلم دعاني لبيته لحد باب بيته ولما ... تجلالي بالدمع ناجيته بالدمع ناجيته «بيرم التونسي» صورة قديمة تظهر المطاف والحطيم منصور الخرقاوي طاهر زمخشري بيرم التونسي