كما للقلب شرايين تغذيه بالدم لينبض بحياة صاحبه كل يوم، كذلك للإعلام شرايين تنقل خلاله الحدث صوتاً وصورة باستمرار من قنوات وصحف يقودها مذيعون ومراسلون هم في الحقيقة شرايين تمد المتلقي وتغذيه بالمعلومة، ومن تلك الشرايين شيرين أبو عاقلة، المراسلة الفلسطينية التي أثار اغتيالها برصاصة دولة الاحتلال الظالمة حزناً عميقاً وحنقاً عظيماً في أوساط الساسة والإعلاميين والجمهور، لكن يبقى الحزن الأشد إيلاماً والأكثر وجعاً هو عند الفلسطينيين أنفسهم الذين اعتادوا على ظهور شيرين صوتاً وصورةً طوال عقدين ونصف تنقل جراءها تفاصيل المشهد الفلسطيني لتعرض للمشاهدين معاناتهم ومآسيهم بكل جزئياتها كما أفراحهم أيضاً لإيصال حقيقة المشهد عن ما يجري في وطنها، فكانت وجهاً مألوفاً وصوتاً آسِراً يشاركهم بمختلف الأحداث في كل الظروف والمناسبات، وهذا ما يجعل وقع الحدث على المجتمع الفلسطيني بكافة شرائحه كبيراً، خصوصاً الطريقة الصادمة التي ماتت بها ومن أجلها، وهذا ما جعل وفاتها يشكل تضامناً عارماً من كافة انتماءات الشعب الفلسطيني نحوها، تجسد في تكريم جنازتها من قبل الرئيس الفلسطيني من خلال منحها ثاني أعلى وسام مدني وهو نجمة القدس، تقديراً لعطائها الوطني ودورها الإعلامي في نصرة القضية، إضافة إلى حضور جنازة مهيبة من قبل مختلف أطياف الشعب الفلسطيني التي لم يسبق أن شهدتها القدس منذ توديع فيصل الحسيني، حاملين النعش الذي طالما غطى وواكب لحظاتهم أول بأول، مرددين بصوت جريح فلترقدي بسلام يا ابنة القدس، وأن مسيرة الصمود ستستمر من خلال تشبثهم بنعشها لئلا يسقطه الاعتداء الآثم الذي جرى من الاحتلال الإسرائيلي أثناء مراسم جنازاتها حتى يصل إلى مثواه الأخير كما ينبغي. خاتمين عباراتهم كما هي عبارة بقية زملاء مهنتها: وداعاً فقيدة القدس.