ما من شك أن العلاقة بين إسلام أباد وكابل المستقبلية في ظل تقلُّد حكومة باكستانية جديدة ستكون مختلفة عن مسار الحكومة السابقة والتي هادنت مع حركة طالبان؛ بعد انسحاب القوات الأميركية المفاجئ في أغسطس الماضي؛ والذي انعكس على المتغيرات الإقليمية التي تنخرط فيها أكثر من دولة ووضعت أفغانستان في مرحلة هي الأصعب من نوعها. وتواجه الحكومة الباكستانية الجديدة أول اختبار خارجي وتحديداً في محيط دول الجوار حيث شهدت العلاقات الباكستانية الأفغانية تصعيداً غير مسبوق؛ بعد هدوء في مرحلة حكومة عمران السابقة؛ فبعد يوم من ضربات جوية نفذتها باكستان وتنديد "طالبان" بها، قالت إسلام إباد إنّ حوادث استهداف قواتها عبر الحدود مع أفغانستان ارتفع بشكل كبير حيث تم استهداف قوات الأمن الباكستانية عبر الحدود "داعية طالبان إلى التحرك للتصدي للمسلحين". وتعد أفغانستان الجار الأكثر أهمية لباكستان نظرًا للتداخل والتشاطر العميق والواسع بين البلدين عرقيًا ومذهبيًا وجغرافيًا وتاريخيًا ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً؛ فقد هيمن مبدأ "العمق الاستراتيجي" على العقلية الباكستانية إزاء أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي حين كان الطموح لدى العسكريين الباكستانيين المدفوع بمشاركة المجاهدين الأفغان انتصارهم العسكري يكمن بتأمين أفغانستان الصديقة والموالية لهم لتكون في مواجهة العدوة الهند، وعمقًا لهم للوصول إلى أسواق دول آسيا الوسطى البكر اقتصاديًا. ومن المؤكد أن الواقع الأفغاني في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي أطلق لعبة تنافسية إقليمية تُذكّر بمرحلة ما بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان 1979-1989، وهي ما اختزلها الشاعر البريطاني روديارد كيبلنغ في القرن التاسع عشر بوصفه لها ب"اللعبة العظمى". وأدّت الحوادث التي وقعت مؤخراً إلى زيادة التوترات المتصاعدة بالفعل بين الجارتين وإعادة فتح جبهة أفغانستان؛ خصوصاً أن حركة طالبان نددت، أمس الأول السبت، بالهجمات الباكستانية على ولايتي كونار وخوست شرقي أفغانستان، محذرةً "بالرد إذا شنّت باكستان هجمات مماثلة". واستدعت حركة طالبان؛ السفير الباكستاني في كابول للاحتجاج على الضربات الجوية التي نفذتها طائرات عسكرية باكستانية دخلت المجال الجوي الأفغاني، وفق قيادات طالبانية فيما قال المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد إن "هذه الإجراءات تهدف إلى إثارة العداء بين البلدين". وردت إسلام أباد بقولها إن منفذي الهجمات "يفلتون من العقاب" وأن إسلام أباد طلبت مراراً من السلطات الأفغانية التحرك لوقفها ولكن دون جدوى. وكان 7 جنود باكستانيين قد قُتلوا في منطقة شمال وزيرستان على حدود إقليم خوست أفغانستان، يوم الخميس الماضي. ولم تؤكد وزارة الخارجية الباكستانية الضربات ولم تتطرق إلى ما إذا كان جرى تنفيذها بواسطة طائرات، فيما ستكون أول مرة يتم فيها تأكيد توغل عسكري.. وتقع منطقة شمال وزيرستان على حدود إقليم خوست في شرق أفغانستان، وهي الموقع للضربات التي وقعت يوم الجمعة الماضي. ولفهم سياق تطور العلاقات بين باكستانوأفغانستان ووصول نقاط الاشتباك إلى حالتها الحالية؛ بشكل أعمق وأدق من الأهمية استيعاب تطوراتها حيث الرواسب الجغرافية والتاريخية والتحامل على الآخر هو ما طبع ويطبع مشهد العلاقة بينهما، ولابد من التمييز بين نقاط اشتباك وتماس تاريخية ربما ستظل باقية طويلاً، ونقاط اشتباك وتماس أقرب إلى اللحظية الآنية وأشبه ما تكون بأوراق الضغط بيد كلا الطرفين، وهو ما يتطلب حلاً عاجلاً وسريعًا لإزالة القلق لدى كليهما الموقف الباكستاني الجديد بحسب مصادر باكستانية؛ سيكون محكومًا بقواعد اشتباك داخلية أفغانية وإقليمية ربما حادة وحاسمة وهو ما قد يفرض على إسلام أباد إعادة التعامل وفق قواعد الاشتباك الجديدة. شهباز شريف يعقد اجتماعاً مع قيادات الحزب والشركاء لبحث الأزمة مع طالبان