ليس من الصعب أن توفر الخدمات التقليدية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة أو ذوي الحالات المرضية، لكن أن ترتقي إلى "تميّز" ما تقدم فهو التحدي الذي نجح فيه "مركز التميّز للتوحد"، الذي رغم قصر عمره إلا أنه أكد أن بالإمكان تحقيق الكثير، بمجرد اقتران العمل المنظم بالرؤية الواضحة. خلال السنوات الماضية عانت ولاتزال تعاني عوائل ذوي اضطراب طيف التوحّد ندرة وضعف المراكز المتخصصة في التعامل، مما يضطرهم إلى السفر خارج المملكة، أو قبول محتوى تعليمي أقل من مستوى التوقعات، لذا برزت الحاجة إلى وجود مركز وطني يكون مرجعاً نموذجياً لخدمة هذه الفئة، عبر رفع الوعي المجتمعي عن اضطراب طيف التوحد، والأهم توفير التأهيل التربوي والمهني، وغير ذلك من حلول سكنية وبرامج بحثية. لذا ونتيجة لمبادرة المسؤولية الاجتماعية المشتركة بين وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والبنك المركزي السعودي؛ أنشئ قبل عام ونصف "مركز التميّز للتوحد" في حي عليشة بمدينة الرياض، عبر دعم مالي من البنوك السعودية، بهدف أن يكون المركز منطلقاً لخدمة الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، وتحسين جودة حياتهم، ودعم تطوير خدمات الرعاية التأهيلية المقدمة لهم في المملكة، وبالتالي رفع القبول والوعي الاجتماعي. بدأ المركز أعماله خلال جائحة فيروس كورونا، التي لم تمنعه من اعتماد خطته الاستراتجية، التي بنيت على استشارة 312 أسرة ومقدم خدمة، ثم إطلاق خدماته فتوسعت أنشطته، التي جاءت داعمة لما يقدم حالياً من برامج الرعاية النهارية كالتدريب على المهارات الحياتية وعيوب النطق والتخاطب والعلاج بالعمل وتعديل السلوك والخدمات التمريضية والتغذية، دون إغفال الترويح وشغل أوقات الفراغ، مما جعله إضافة نوعية للخدمات المتوفرة لذوي اضطراب طيف التوحد، غير أن هذا النجاح يزيد المسؤولية على المركز بقبول مزيدٍ من المستفيدين، والأهم التوسع خارج العاصمة. مما يلفت النظر أن المركز لا يكتف بتنمية قدرات ومهارات الأشخاص ذوي الإعاقة وإكسابهم مهنة تمكنهم من الحصول على عمل يحقق لهم سبل الحياة الكريمة، بل يتقدم خطوة مؤسسية نحو الأمام، عبر عرض منتجاتهم وترويجها في متجر المركز من حقائب وقمصان ورسومات وغيرها، وكأنما أضحت وسيلة تواصل فعالة تنقل مشاعر عقولهم عبر أعمالهم الفنية ذات الجودة والدقة المعروفة عن هذه الفئة، مما حقق التمكين المالي لهم، وزادهم ثقة في ما يبدعون، وهذا بالإضافة إلى التدريب الذي يزيد اندماجهم في المجتمع. كم نحن بحاجة لمزيدٍ من مثل هذه المؤسسات غير الربحية، وأن تقوم الشركات السعودية الكبرى وبالذات المدرجة في سوق المال بدورها الوطني المأمول، كونها لا تستطيع فقط تمويل هذه المؤسسات، بل تسخير خبراتها في إدارتها وتطويرها، وبالذات مجال خدمة بعض الفئات، مثل المصابين بمتلازمة "دوان" وكذلك "التصلب اللويحي"، ناهيك عن دعم توسّع هذه المراكز في مناطق المملكة، خصوصاً الطرفية منها.