على وقع صوت المدافع والقذائف وأزيز المقاتلات والدرونات يبرز التساؤل الأهم، ما الخيارات التي من الممكن أن تُفرزها الحرب الروسية - الأوكرانية؟ وهي علي أية حال لن تخرج عن ثلاثة خيارات جميعها من دون استثناء ستغير من شكل النظام العالمي الراهن: أولاً: انتصار روسيا في أوكرانيا، مما يعني عملياً فصل أوكرانيا عن الغرب سواء من خلال وضع حكومة تابعة لموسكو أو فصل أجزاء كبيرة منها كجمهوريات كالذي حدث مع لوغانسك ودونيتسك، وهذا من شأنه أن يغير المعادلة الدولية وأن يظهر أن سلاح العقوبات الغربية بالإضافة إلى الدعم العسكري قد خسر هو أيضاً في معركة أوكرانيا، عطفاً على اهتزاز الثقة ما بين الحلفاء الأوربيين مما ينذر بتصدع العلاقات فيما بينها وبين أميركا، وقد يشجع العديد سواء من حلفائها أو المترددين الخروج من عباءتها، يقابله تعزيز أكبر للنفوذ الروسي. ثانياً: انتصار أوكرانيا أو بمعنى أدق هزيمة الروس في أوكرانيا، سيكون بمثابة نهاية ما تبقى من القوة السوفييتية الممثلة حالياً بروسيا، وسيعود الفضل بهزيمتها للمعسكر الغربي وعلى رأسها أميركا، والتي ستفرض مزيداً من سيطرتها المطلقة على العالم، وهذا ما لا ترغبه عديد الدول المناهضة للهيمنة الأميركية المُفردة أو تواجه ضغوطاً منها على قبوله وعلى رأسها الصين. ثالثاً: التنازل المتبادل لكافة الأطراف، وهذا الخيار لا يبدو متاحاً في الوقت الحالي بل عادة ما يظهر بعد أن تُستنزف جميع أطراف الصراع، وبعد أن يدركوا أن كسب المعركة قد يطول كثيراً أو قد يكون مستبعداً مما سينتج عنه توزيع أدوار، وتقاسم نفوذ، وصفقات سياسية ضخمة. تلك الخيارات تكشف شيئاً من ملامح شكل النظام الدولي المقبل، ولعل هذا ما يفسر مطالبة أميركا المستمرة للصين بإدانة التدخل الروسي والمشاركة مع المعسكر الغربي في فرض العقوبات على روسيا، حيث لا تريد واشنطن لها أن تنعم بالهدوء والسير قدماً بالنمو الاقتصادي المتسارع بعيداً عن الصراع من دون زجها في أتونه، وحتى لا تكون حرب الاستنزاف الاقتصادي والجيوسياسي بينها وبين روسيا من دون إرغام الصين على دخوله والتي مازالت تصر على حيادها.