في ذكرى يوم التأسيس، نقف متأملين لحقبة تاريخية أقل ما يقال عنها حقبة المعجزة أو سنوات الإعجاز! فتحت نافذة من نوافذ التاريخ، لنرى كيف كنا والمآل، فإذا بي أرى صحراء كبيرة، وقبائل شتى تفترش الرمال! خيمة تقيهم حر الصيف وزمهرير الشتاء، سرعان ما أغلقت نافذتي وعدت سريعاً لواقع بلادنا الحبيبة. إننا نقف بفخر وزهو أمام دولة أثبتت نفسها عالمياً وتاريخياً رغم كل التحديات والعقبات التي وقفت في مسيرة نهوضها وتقدمها، ورغم كل العوامل التي تضافرت للحؤول دون قيامها. لذلك يبدو جلياً حكمة الإدارة وقوة القيادة التي يتمتع بها قادة المملكة العربية السعودية ابتداء من مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - قبل ثلاثة قرون تقريباً، في الثاني والعشرين من فبراير عام 1727م، وصولاً لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه وسدد خطاه - وولي عهده الأمير الشاب الملهم الأمير محمد بن سلمان - يحفظه الله- عراب الرؤية وقائد المنجزات. فإن المتمعن لمراحل تاريخ قيام المملكة العربية السعودية لا يخفى عليه الشتات الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني الذي كانت تعاني منه شبه الجزيرة العربية من اضطرابات داخلية وقتال دائم بين القبائل، ناهيك عن الأعين المتربصة من الخارج لأي فرصة لتحقيق مطامعها ومصالحها. وفي ظل ذلك كله يسخر الله لنا قائداً تشهد السنون والأيام بإقدامه ودبلوماسيته وحنكته؛ ليقف كالسد المنيع في وجه كل الهجمات المعنوية والمادية، فأوجد عناصر القوة والإدارة من التخطيط الجيد في وضع نقطة التأسيس والسعي لإكمالها عن طريق التنظيم الداخلي مع أبناء المنطقة والتنظيم الخارجي الدبلوماسي لكسب الأحلاف والطامعين وتسخيرهم تحت نظام المصالح المتبادلة والمشتركة لتحقيق الهدف السامي في تأسيس وتوحيد المملكة من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال، وضم كل القبائل لتحقيق قوة راسخة، عن طريق متابعة التوجيه والتدريب والتقويم والإدارة الفردية لزعماء المناطق المحيطة بالجزيرة العربية، والتصدي لكل محاولات الانقسام الداخلية، وتحويلها لانتصار يخدم المنطقة، بوضع الإجراءات الكفيلة بتصحيح الأخطاء التي تعيق وحدة الجزيرة وتوحيدها تحت مظلة واحدة، تحمي جميع أبناء الجزيرة، وكل ذلك عن طريق التنسيق المدروس والمخطط له، حتى توالت الإنجازات والتوسع والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، والازدهار على جميع الأصعدة العلمية والعملية، بالإضافة إلى الاستقلال السياسي الداخلي والخارجي، وبناء العلاقات الدولية مع القوى الخارجية، وأصبحت بذلك الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ويقدر الله أن تواجه هذه الدولة بعد ذلك من الظروف ما واجهته. حتى سخر الله لها الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وقام بتوحيد المملكة، وبتأسيس الدولة السعودية الثالثة في الخامس من شهر شوال لعام 1319ه - الخامس عشر من يناير 1902م، واسترد مدينة الرياض؛ لتكون اللبنة الأولى للانطلاق كبداية ونقطة التحول المجتمعي لتحقيق رؤية المستقبل المعاصر التي ألهمت ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - لتبني رؤية المملكة 2030م. هذا وقد كانت المملكة تحت مسمى المملكة العربية السعودية قبل تسعة عقود في السابع عشر من شهر جمادى الأولى لعام 1351ه - التاسع عشر من سبتمبر 1932م؛ إذ صدر مرسوم ملكي يحمل في طياته خبر توحيد البلاد، ويأمر بتسمية الدولة الجديد (المملكة العربية السعودية) اعتباراً من الحادي والعشرين من جمادى الأولى 1351ه - الثالث والعشرين من سبتمبر 1932م، وهو اليوم الوطني الذي أقرته الدولة للاحتفاء بمجدها وتاريخها، والإشادة ببطولات رجالاتها شكراً وطاعةً ودعاءً لهم، وإثباتاً لفضلهم بعد فضل الله علينا بأن سخرهم للأمة عامة وللمجتمع السعودي خاصة. وهكذا يتبين لنا الفارق بين يوم التأسيس للدولة السعودية، وهو يوم 22 فبراير من كل سنة الذي يمثل امتداداً لسنة بداية تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله -. وأما يوم تأسيس وتوحيد دولة المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن سعود - يرحمه الله - فهو اليوم الوطني في 23 سبتمبر من كل عام. فأي نظرة ثاقبة كان يحملها قادة الدولة السعودية في أبصارهم وبصيرتهم تلوح بنظرة مستقبلية مشرقة، تزدهر عبر القرون؛ ليتحقق حلم كل مواطن سعودي للعيش في ظل دولة موحدة، تتخذ العدالة شعاراً لها، والعطاء والقوة والبناء التطويري ضمن خططها، وإنجازات منقطعة النظير يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ويحققها رؤية وواقعاً ولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مستنهضاً الهمم الشابة في أرجاء المملكة، مقيماً الدولة السعودية المعاصرة، بكل ما فيها من تقدم فكري وإرث حضاري، وتحقيق الاندماج الواعي بينهما وفق رؤية المملكة 2030م.