عندما نطرق باب الذكريات فإن الذاكرة تثقلها الأمكنة والأزمنة والمواقف والأشخاص فيصعب استدعاء التفاصيل، عدا الشعور الجميل فإن الذاكرة تحلق وتطيل وتسعد باستدعائه، شعور حر كخيل بري وطير جبلي لم يدنس بالقيود، يمر كلمح البصر معتق برائحة يمتزج بها المسك والعنبر، هذه اللحظات غنيمة للخاطر وسلوى للقلب وصيد للعقل، المرء ينعم بتناوله ويتلذذ بمضغه ويستمتع بطعمه. وكلما استدعى ذكرى جاء بها من غياهب الظلام كبرق تسامى وأنار السماء والعيون. لذا الذكريات الجميلة عبقها لا يزول ولا يختفي حتى لو تمضي عليه الدهور. الذكريات صديق جميل يحبك وتحبه، ويظل يرافقك، وفي طوع أمرك، الكل يحب الذكريات التي كلما زارتنا بحلة سعيدة نراها جميلة لا تشيخ! وعلى النقيض تصور المستقبل، نرتبك منه وكأن حارسه الخوف وبوابته المجهول لذا قيل الإنسان عدو ما يجهل! فإذا كانت الذكريات صديق فالمستقبل عدو حتى نعرفه ونأمنه ونصنفه فالمجهول عدو حتى تستبين حقيقته والأنفس بفطرتها حذرة من كل جديد. هذه المفارقة العظيمة الرابط بينهما هو الشعور، فغالباً الشعور الإيجابي يرافق الذكريات والسلبي يرافق المجهول. لذا نمتن كثيراً لكل ما مر علينا وتحديداً باللحظات السعيدة التي تحتضن بذرة الأمل في قلوبنا فنترقب ولادتها في حاضرنا كامتداد ونتشوق لتكرار نكهة السرور الذي يرافقها.. فمن منا لا يحب الذكريات الجميلة؟! أجمل شعور هو عندما تمتزج أنفس مختلفة لوناً وفكراً وبيئة حيث يكون الشعور غنياً وقوياً وأصيلاً. اصنعوا ذكرياتكم، فهي مراهم حياتكم، والسراء عند ضرائكم.