الظلم والقهر آفتان تحرقان كل لذة ممتعة ولون جميل في الحياة فكيف عندما تصدر من قريب تثق فيه؟! قمة الأذى والإيذاء والتأذي تتخلخل بين جنباتك وتصدع حناياك أنينًا، فتكون بين حالين حال من ينكر من منظور المستحيل وبين حال واقع يجبرك على قبول الحقيقة، وأنت متردد متذبذب بين هذا وذاك. إحساسك بعد المصيبة يصعب وصفه فالعذاب يفترس شرايين دمك وينهش في ضلوعك فتتزعزع ثقتك وتتزلزل نفسك وينكسر ظهرك وتعوج أكتافك ولا تقوى عيناك على رفع نظرهما وتعرف هنا معنًى جديداً عليك كنت تسمع عنه لكنك الآن تذوقت مرارته، إنه الخذلان الذي صدر ممن كنت تعتبرهم سنداً لك في هذه الحياة لا يستطيع بشر أن يصفه فالكسر أعظم مرارة وأبشع وجعاً من كل ألم حتى ألم الفقد! لأن الروح تتصدع من هول الكسر فتهتز وتضطرب فتصبح في حالة نفور من كل شيء والهلاك من حولك يحيط بك، وتشعر بالدنيا موحشة ومقفرة ورمادية لم تعهدها من قبل. في حين أن في الفقد تبقى صورة المفقود كعهدك به، نقية جميلة والوفاء بينكما يستمر أحياءً أو أمواتاً، وذكرياتك به وإن تألمت لفقده إلا أنك تستحسن تذكرها وتحب أن تستوقف عندها وتستطيب استدعاءها، وكأنها ظلال عليك من حرقة الظروف المنهكة ومورد ماء عذب ترتوي به من ظمأ خذلان البعض، بينما الكسر دوامة تعصف بك فتتبدل أحوالك بلا اتزان وتموج نفسك وتصدح بالآهات فتحفر في داخلك بئراً عميقة من الغبن الذي لم تعرفه قبل كسرك، هذه البئر بلا دلو ولا يصح ردمها!! فهذا القريب كان يوماً ما بمثابة الروح فكيف تمحو روحك من روحه! هكذا هي حقيقة الكسر خذلان وغبن وظلم وقهر، بينما الفقد ألمه بمعية الذكريات التي يذكرك أن الحياة مازالت بخير. من الغريب أن نجد الغربة تكون العلامة المشتركة بين الفقد والكسر، ففي طياتهما ينمو إحساسك بالألم والوجع، ولكن بالتأكيد في الكسر أشد وطأة. وأخيراً نحن في الفقد نقول رحمة الله وفي الكسر نقول نعوذ بالله، من القهر والظلم فكم في الكسر من سلالة تعج عروقها بالخيانة التي هي بئس البطانة. ولكن لطف الله يحيط بنا من كل جانب وعلى نياتنا نرزق.