في كل المواقف يظل الضعف حقيراً والقوة عظيمة.. إن من الحقائق المسلم بها أن لكل فعل ردة فعل، لكن هل في حال عدم وجود فعل يلزم وجود ردة فعل؟! من الغرائب أنه في حال انعدام الفعل وهي: "حالة السكون التام في حرم الخلوة والعزلة والوحدة" تكون ردة الفعل لدى البعض خوفاً وجبناً شديدين، وتتسبب في توليد الأصوات وتزداد ليتراءى أمامه تحركات. هذا السراب الذي نسجه عقله خيالاً، واستسلمت لمعطياته الحواس خضوعاً، فالخائف لا يرى ببصره ولا يتبع بصيرته، فخوفه خدر عقله، وجبنه عطل جزءاً من حواسه، عدا إحساسه بالهرب، وحاجته الماسة للفرار، لذا كل من يخاف السكون هو الأكثر هلعاً والأسرع فراراً والأقل عطاء. وعلى النقيض من ذلك تماماً بل ومدعاة للغرابة أن السكون الذي يفر منه الجبناء هو ملاذ الأقوياء، ومراح أفئدتهم، ومستراح عقولهم، كيف لا؟ وفيه السكينة مرتعهم، ولا تحيا إلا في قلوبهم. فما السكينة إلا بذور تنبت في حقول أخرى، فتثمر حقولاً من القوة في القلب، فلا يهاب ولا يجزع، وحقولاً من البسالة، فلا يتردد ولا يحجم ولا يتقهقر، وحقولاً من الجرأة، فلا يميل ولا يحيد ولا يحابي، وحقولاً من الهيبة في الكلمة، فيصدح بلا ضعف ولا اهتزاز، وحقولاً من العطاء، فلا منع ولا حرمان، كل هذه البذور وتلك الحقول تتشكل لترسم لمحة من ملامح المؤمن القوي في ثباته واتزانه وامتداده، والسكينة تتربع على عرشه.