ظهرت في الآونة الأخيرة كتابات إبداعية يتداخل فيها الشعر بالقصة، وهذه الكتابات تتميز بلغتها الشعرية القريبة من الوجدان، ولها خاصية التمثيل كالشعر، ولا يستقيم معها إلا البوح الحميمي القريب من الذات والنفس، وفي مجمل القول فإن الأدب القصصي لاسيما فيما يخص القصة القصيرة يقارب مده من الشعور المحض الذي يمكن معه أن نسميه أدب الشعور القصصي القصير. ونعمة خبراني واحدة من كتاب الشعور القصصي، الذي يمكن أن نسمي كتاباتها بالشعور القصصي الذي يمازج بين الشعر والقصة القصيرة، وكتاباتها تمتاز بالشفافية والرهافة الوجدانية، ولها إبداع كريم من خلال كتابها (حين أكتب يا سيدي الغائب)، الذي جمعت فيهه الكاتبة خلاصة تجربتها الشعورية والوجدانية، واستطاعت أن تخترق حاجز السكون، وأن تعبر عن إدراكاتها ورؤاها بلغة سهلة عذبة، وأن تكوَن فكرة عن العالم والحياة والناس، ففي كتابها (حين أكتب يا سيدي الغائب) جعلت الكاتبة نعمة خبراني التأمل مسيرتها في البوح، مكتفية بإثارة السؤال عن ذلك الغائب المختفي في الوجدان، يتوزع كتابها بين أربع وعشرين خاطرة، موزعة بين أربعة فصول معظمها خواطر إنسانية نبيلة عن الحياة والناس والأحداث المصاحبة للحياة، وتعتمد الكاتبة فيه الخاطرة الإنسانية التي تجمع بين القصة أحياناً والميل إلى السرد الطويل أحياناً أخرى، معتمدة على بلاغة اللغة التي تتمتع بها، وهي تعتمد الومضة الخاطفة في أحيان كثيرة في كتابها، مذوبة في خواطرها الفكرة الوجودية في الحياة والناس، مستلهمة من الواقع حيثيات خواطرها بإدراك كبير للواقع وأبعاده وأحداثه، مستقية من الإدراكات والثقافات الأخرى إلهامها وأفكارها، موحدة الهجس الإنساني في النص، ومسربة حيثيات الأحداث إلى الواقع بأبعاده المختلفة. والكاتبة نعمة خبراني تقص الواقع، جاعلة من الإنسان محور الحدث، تقيم مسافة بين الواقع والحدث، ممددة شعورها من خلال استقراء الكينونة الجماعية، جاعلة من الإدراك المختلف مواءمة للعقل، تمخض إحداثياتها في العمل الأدبي مع ما يوافق المد الإنساني ويوائم بينه وبين الأشياء حول الإنسان. ونعمة خبراني إذ تعتمد الخاطرة تذوب فيها مجمل قضايا الحياة والناس، وتستلهم إدراكات مختلفة عن قضايا المجتمع لاسيما تلك التي تتداخل بالوجدان ومن خلال كتابها (حين أكتب يا سيدي الغائب)، تتسرب حيثيات الواقع إلى الهجس الجماعي، معتمدة التصوير الإيحائي في النص، ومتقمصة أدواراً شتى في الوعي، لافتة الانتباه إلى إشكالية الوعي مع الواقع، ولافتة النظر إلى أحداث المجتمع المتغايرة والمتنوعة، وهي بذلك تخترق حاجز السكون وتزيح أطلال الجمود من على النفس. وفي أكثر من خاطرة من خواطرها تجعل الكاتبة الانزياح طريقاً للتعبير عن الذات والوعي والواقع، ومع أن الكاتبة تكتفي بالسرد المقطوع المتحول إلى خواطر إنسانية إلا أنها تباشر المعرفة بشكل عام وتقيم مع الإيحاء اللامرئي للوعي مقابل الواقع جسراً من الألفة تسير عليه انتباهات الفكر بتأنٍ وروية. ومع أن الكتاب بمجمله خواطر إنسانية قصيرة إلا أنها جمعت مجمل قضايا الفكر الإنساني من إحداثيات البراءة والتأمل وقضايا الأبوة والأبناء والمغيب المخفي في الوجدان. ولعل لغتها وبراعتها التصويرية ساعداها في رسم الوعي المتسرب إلى الواقع، فصورت مجمل قضايا الوعي بلغة إدراكية كبيرة حملتها مدلولات كثيرة وإيحاءات لا حصر لها. ونعمة خبراني تمتاز بأسلوب شفيف في التناول، ووقع شاعري قريب إلى النفس والوجدان، وقلمها مميز من حيث الطرح والتصوير واللغة القريبة إلى التعبير الصادق والواقعي. *ناقد وشاعر يمني نبيل منصور نورالدين*