الأعمال الصالحة كثيرة ومتنوعة، وفضل الله تعالى واسع جدًا أكثر مما نتصور، بَيْدَ أن هناك من الأعمال الصالحة التي لا يلتفت إليها؛ لأنها ليست محسوسة، ليست شيئًا يجري على يديك، لا تراها ماثلة أمام عينيك، لكنَّ مقامها عند الله تعالى عالٍ، بل أثرها يتعدى إلى الأعمال الصالحة الأخرى.. يقول ذلك إمام جليل من أئمة التابعين وهو سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم موصيًا أهله وأصحابه والمسلمين عند دخول عشر ذي الحجة: "لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر"، فيوصيهم بقيام الليل، ويوصيهم بصيام النهار، وهو في ذلك كغيره من العلماء سلفًا وخلفًا الذين بينوا فضل عشر ذي الحجة، وفضل العمل الصالح فيها، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل الصالح في أيام العشر أعظم وأحب إلى الله تعالى من سائر الأيام. وفي طليعة الأعمال الصالحة ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد "فيستحب الإكثار من الذكر عمومًا ومن التكبير خصوصًا، فقد كان فقهاء الناس -كما يقول يزيد بن أبي زياد رحمه الله- يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويخرجون إلى الأسواق يذكِّرون الناس بها. والذكر له فضله العظيم لا سيما شهادة التوحيد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". وقد حثّ عليه الصلاة والسلام على الإكثار منها بقوله فيما ثبت عنه: "أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يُحال بينكم وبينها". والأذكار متنوعة ولكل ذكر فضله ومنزلته، والمسلم الذاكر ينوع ما بين هذه الأذكار آناء الليل وأطراف النهار، كالتهليل والتحميد والتكبير والحوقلة، وقد قال إبراهيم الخليل لنبينا محمد عليهما الصلاة والسلام: "يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر" أخرجه الترمذي وزاد الطبراني: "ولا حول ولا قوة إلا بالله" مع العناية بالأذكار المرتبطة بسبب أو بوقت كالأذكار بعد الصلاة المفروضة وأذكار الصباح والمساء. ومن الأعمال الصالحة بعد المحافظة على الصلوات الخمس، أن يصلي المسلم ما كتب له من النوافل، سواء ما كان منها متعلقًا بوقت كصلاة الضحى والسنن الرواتب وقيام الليل والوتر، أو مطلق النافلة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليكثر". وما أجَلَّ قدر الصلاة عند ربِّ العالمين، وما أعظم أثرها في قلب المؤمن، لا سيما إذا استحضر أنه يناجي ربَّه مباشرة دون واسطة، وهو الرب الخالق الذي خلق كل هذا الخلق بأرضه وسماواته، بأفلاكه ومجراته، بأجرامه وذراته، وهو الرب القدير الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، وهو الرب الغني الذي ملكه لا ينفد، وعطاؤه لا يتوقف مهما أعطى وأسبغ. قال بكر بن عبدالله المزني ت: 108ه: من مثلك يا بن آدم! إن شئت أن تدخل على مولاك بغير إذن دخلت. قيل له: كيف ذلك؟ قال: تُسبغُ الوضُوء ثم تدخل إلى محرابك فإذا أنت قد دخلت على مولاك تكلِّمه بغير ترجمان. ومن الأعمال الصالحة التي لها ثواب عظيم ويعظم فضلها وأجرها في أيام العشر: الصدقة والإحسان. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي إلى بيته فيجدهم قد ذبحوا شاة وفرقوها بين ما تيسر من الأسر، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ فتجيبه عائشة رضي الله عنها: ما بقي منها إلا كتفُها. عندئذ يقول عليه الصلاة والسلام: بقي كلُّها غير كتفها. وفي تسمية هذا الإنفاق على المحتاجين صدقة ملمح جميل أُخذ من تصديق المنفق بأن الله تعالى يثيبه على نفقته، وبأن الله تعالى يخلف عليه. فإن الله تعالى قال: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) وفي الحديث القدسي: (يا عبدي أَنفق أُنفق عليك). ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في عشر ذي الحجة: صيام هذه الأيام، فالصيام من أجلِّ العبادات والقربات، هذا أبو أمامة رضي الله عنه يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل صالح يعمله، فقال له: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له" لا سيما صوم يوم عرفة فقد أخبر عليه الصلاة والسلام: أنه يكفِّر السنة الماضية والباقية. هذا والأعمال الصالحة كثيرة ومتنوعة، وفضل الله تعالى واسع جدًا أكثر مما نتصور، بَيْدَ أن هناك من الأعمال الصالحة التي لا يلتفت إليها؛ لأنها ليست محسوسة، ليست شيئًا يجري على يديك، لا تراها ماثلة أمام عينيك، لكنَّ مقامها عند الله تعالى عالٍ، بل أثرها يتعدى إلى الأعمال الصالحة الأخرى فتزكوا هذه الأعمال، وتكون عند الله تعالى أعلى، وذلك مثل سلامة الصدر. في الحديث الصحيح قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد" سليم الصدر يحب التوفيق للجميع، ويفرح بنجاح غيره ولو كان في نفس ميدانه وعمله. سليم الصدر لا يروق له أن يسمع بعثرات الآخرين، ويتألم إن وقع أحد في مشكلة، ويودُّ من كل قلبه لو كان في يده ما يساعده به. سليم الصدر يستر معايب الناس، فيظهر منهم الحسن، ويستر عليهم القبيح، ممتثلاً قوله عليه الصلاة والسلام: "من علم من أخيه سيئة فسترها ستر الله عليه يوم القيامة". ليَاليْ العشرِ أَوقاتُ الإجابة فبادرْ رَغبةً تَلْحَقْ ثَوَابَهْ