حمل التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية (مؤشر مدركات الفساد) للعام الحالي 2020 دلائل عديدة تستحق الوقوف والتأمل عندها، في مقدمتها أن المملكة تواصل التقدم بثبات في طريقها لاستئصال آفة الفساد، وأن السنوات الأخيرة شهدت تقدماً هائلاً في هذا الصدد وهو ما تثبته الأرقام. فالمملكة التي حصلت على 40 نقطة العام 2010، نالت العام الماضي 49 نقطة نقلتها إلى المرتبة 58. وخلال عام واحد حصلت على 53 درجة انتقلت بموجبها إلى المرتبة 51، كما نالت المملكة المرتبة العاشرة ضمن مجموعة العشرين، وهو ما يعني ببساطة فعالية الإجراءات المتواصلة التي تتخذها المملكة لمحاربة أنواع الفساد كافة. تلك الإجراءات وحسب حديث هادي اليامي رئيس لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية في الشورى لم تقتصر على مجرد إصدار وتطوير القوانين وتفعيل الرقابة، بل اتخذت جوانب أخرى أكثر فعالية، في مقدمتها دمج الجهات الحكومية المختصة بمحاربة الفساد، وهو ما أدى إلى منع تضارب الاختصاص أو تشتيت الجهود، وتقصير أمد التقاضي وتقليل المدة التي كانت تحتاجها إجراءات التقصي والتحقيق. إضافة إلى ذلك فقد شهدت المملكة حملة واسعة لإشراك المجتمع في هذه الجهود وتحويلها ثقافة مجتمعية، بحيث يدرك المواطن أن من يتعدون على المال العام يسلبونه حقوقه. كذلك تم ربط جهود تعزيز محاربة الفساد المالي والإداري بالجهود الحثيثة التي تشهدها المملكة لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان. إضافة إلى ذلك فإن حرص القيادة على أعلى مستوياتها ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - لاستئصال ذلك السلوك المنحرف يمنح تلك الجهود فعالية أكثر ويعصمها من محاولات التدخل كافة، ويثبت بوضوح أنه لا يوجد من هو أعلى من القانون أو فوق المحاسبة، وأن كافة من تحوم حوله الشبهات – كائناً من كان - سيخضع للمساءلة والقانون. كذلك لا ينبغي تجاهل الدور الكبير الذي تقوم به الأجهزة الرقابية وعلى رأسها مجلس الشورى لأجل توجيه موارد الدولة ومقدراتها في الإطار السليم، ومنع استئثار أي أحد أو جماعة بخيرات هذا الوطن وثرواته. ويضيف اليامي: مخاطر الفساد المالي والإداري لا تخفى على أحد، فهو أكبر معطلات التنمية، لأنه يتسبب في إحباط الجهود التي تبذل لتنمية الأوطان، ويجهض الخطط التنموية كافة، ويؤدي إلى حالة من فقدان العدالة، كذلك فهو الوجه الآخر للإرهاب والتطرف، حيث أثبتت التحريات المطولة أن الأموال غير معلومة المصدر هي أكبر القنوات التي تغذي تيارات العنف والضلال. كذلك فإن ارتفاع مكانة المملكة في مؤشرات الشفافية والنزاهة له انعكاس إيجابي على مستوى التصنيفات المالية وجذب الاستثمارات الأجنبية وازدهار الاقتصاد. ولفت اليامي إلى أن هناك العديد من الإجراءات التي ينبغي تفعيلها وفي مقدمتها ترسيخ ثقافة محاربة الفساد بصورة أعمق وسط أفراد المجتمع، وحث المواطنين على دعم جهود الدولة وأجهزتها المختصة بالإبلاغ عن الممارسات الخاطئة كافة، حتى تصبح نهجاً راسخاً يتعزز باستمرار بمشيئة الله. وحتماً سوف تشهد السنوات المقبلة تقدماً متواصلاً للمملكة على المستوى العالمي في هذا المجال، فكثير من الإجراءات التي تم اتخاذها والخطوات التنظيمية التي اتخذت تحتاج إلى وقت حتى يبدأ تأثيرها في الظهور، حتى تتخلص بلادنا من هذا الوباء كما تخلصت - ولله الحمد - من آفة الإرهاب والتطرف.