تعد الدول التي تمتلك وتحظى بتراث زاخر من الآثار والصروح التاريخية دولاً محظوظةً فعلاوة على ما يمثله امتلاكها لهذا الموروث من عنصر فخار ومباهاة أمام الأمم الأخرى فهو عنصر جذب سياحي يشكل مورداً اقتصادياً مهماً ووظائف لأبناء هذه البلدان. ولعل منطقتنا العربية تعد من أغنى المناطق فيما يتعلق بهذا الموروث فهي تحتضن أقدم الحضارات وأعرقها وعلى رأسها حضارة بلاد ما بين الرافدين في العراق والحضارة الفرعونية في وادي النيل بمصر ويمكن أن نضيف لهما حضارة قرطاج في تونس وبعض الآثار في بلاد الشام واليمن وغيرها من تلك الآثار التي تنتشر في أغلب بلدان المنطقة. وبالرغم من وجود هذا التراث الزاخر إلا أن الفضل في اكتشافه والتنقيب عنه اضطلع به علماء ومختصون من العالم الغربي الذين لم يكتفوا بالتنقيب عن تلك الآثار واستخراجها وإنما ساهموا مساهمة حقيقية في فك طلاسم تلك الآثار واللغات التي استخدمتها تلك الحضارات مثل الخط المسماري في منطقة وادي الرافدين واللغة الهيروغليفية الخاصة بالحضارة الفرعونية حيث ساهم اكتشاف حجر رشيد على يد جندي فرنسي ضمن حملة نابليون على مصر في عام 1799 في فك طلاسم هذه اللغة مما كان فتحاً عظيماً في التعرف جيداً على هذا التراث الفرعوني العظيم. وقد أدى عدم الاهتمام الكافي بهذا التراث العظيم من دول المنطقة أن تسرب كثير من آثارها إلى متاحف الغرب عن طريق الاستيلاء تارة أو الشراء من لصوص ومهربي تلك الآثار تارة أخرى. هذا الأمر كان يثير حنقي وحزني وكثير من العرب غيري خصوصاً عندما تزور المتاحف في الغرب وتجد الكم الكبير من آثار المنطقة تعرض في هذه المتاحف كمتحف اللوفر في باريس وغيره من المتاحف الموجودة في بلاد الغرب. واستمر هذا الشعور لدي حتى عصفت بالمنطقة تلك الحروب والصراعات الطائفية المجنونة التي من ضمن أبطالها تلك الجماعات الإرهابية المتطرفة التي عثت في الأرض فساداً لم يستثنِ تلك الكنوز التاريخية فطفقت تحطم وتدمر تلك الآثار، ما جعل رأيي وربما رأي الكثيرين يتغير تجاه ذهاب تلك الآثار إلى متاحف الغرب لدرجة التمني لو أنهم أخذوا كل ما يمكن نقله إلى متاحفهم فعلى الأقل سيُقيّض لتلك الكنوز أن تحظى بالحفظ والاهتمام الذي تستحقه بدلاً عن ما حل بها على أيدي هؤلاء الظلاميين، وعندما ترتقي نظرتنا تجاه تلك الكنوز ونعرف قيمتها جيداً يمكننا أن نطالب بإعادتها إلى أمكنتها الأصلية.