كيف يجعلنا الشعر الرائع نستمتع ونطرب؟ كيف يجعلنا ننفعل ونحس بروح جديدة تتوثّب فينا وتقلبُ أعماقنا؟ كيف يؤثر الشعر فينا وينقلنا من حالٍ إلى حال، ويُشغِّل خيالنا ويُشعل العواطف في نفوسنا؟!.. لا يتم هذا التأثير الكبير والتغيير الملموس في المشاعر والوجدان لدى المتلقي إلّا من خلال اشتعال العواطف لدى الشاعر الموهوب نفسه، فحين تشتعل عواطف الشاعر وتزداد حرارتها تتجسّد في صور فنّية تجعل عواطفه تحيا.. تتحرك.. تنبض.. تنقل الذي في داخل الشاعر إلى الخارج، عواطف جيّاشة كالنوافير العالية، تجعل القارئ والسامع ينفعل معه، ويعيش حرارة مشاعره، ويُعجب بتجسُّد عواطفه، ويطرب من الموسيقى الداخلية، التي تنساب داخل الأبيات انسياب الماء الدفّاق الذي له خرير مسموع يبهج الأنفس، ويُشنفُ الآذان ويحرك القلوب.. ليس الشعر مجرد (كلام موزون مُقفى)، هذا تعريف لجسد الشعر فقط، ولهذا وجدنا منظومات كثيرة ينطبق عليها ذلك التعريف السطحي، ولكنها ظلت مجرد جثث هامدة خامدة خالية من الروح؛ لأنها فقدت جمال التصوير الذي يرسمه الخيال الشاعري المُحلق في العلالي. وقد انتبه كبار الأدباء العرب لخاصية الشعر المبدع القائمة على التصوير المؤثر الجميل والصياغة الموسيقية، التي تجعل العواطف تجري في الدماء جريان المياه في الأشجار، واهبة النماء والحياة، وتسري في الوجدان سريان الكهرباء في الأسلاك؛ لتمنح الطاقة والاشتعال، قال أبو بحر الجاحظ: (.. إن الشعر فنٌ تصويري يقوم جانبٌ كبيرٌ منه على الصورة الشاعرة وحُسْن التعبير) البيان والتبيين (2/157). وقال عبدالقاهر الجرجاني: (.. ومعلومٌ أنّ سبيل الشاعر سبيلُ التصوير والصياغة..) (دلائل الإعجاز (53) .. قلت: وهذا أمر معروف مُسلّم به، فروح الشعر المؤثر هي الخيال الخلّاق، والصور التي تكاد تنطق وتوحي وترمز لما أضفى عليها شعور المبدع من حرارة العاطفة وقوة الخيال وبراعة التصوير وتناغم الإيقاع، ليتآلف ذلك كله في فنّ جميل وصور مُجسّدة قادرة على نقل الإحساس من الشاعر إلى القارئ والمُنشد والسامع والمغني.. لو أننا كنّا كغُصنيْ شجره الشمسُ أرضعتْ عروقَنا معا والفجرُ روّانا ندىً معا ثم اصطبغنا خضرةً مزدهره حين استطلنا فاعتنقنا أذرُعا وفي الربيع نكتسي ثيابَنا الملوّنه لو أننا كنا بشطّ البحر موجتينْ صُفِّيتا من الرمال والمحارْ تُوّجتا سبيكةً من النهار والزبدْ أَسلمتا العِنانَ للتيّارْ يدفعُنا من مهدنا للحْدِنا معا في مشيةٍ راقصةٍ مُدندنه تشربُنا سحابةٌ رقيقه تذوب تحت ثغر شمسٍ حلوة رفيقه ثم نعودُ موجتين توأمينْ أسلمتا العنان للتيّارْ في دورة إلى الأبدْ من البحار للسماءْ من السماء للبحارْ ! لو أننا كنّا جناحيْ نورسٍ رقيقْ وناعمٍ، لا يبرحُ المضيقْ مُحلّقٍ على ذؤابات السُّفنْ يبشّر الملاحَ بالوصولْ ويوقظ الحنينَ للأحباب والوطنْ منقاره يقتاتُ بالنسيمْ ويرتوي من عَرَقِ الغيومْ وحينما يُجنّ ليلُ البحرِ يطوينا معاً.. معا ثم ينام فوق قِلْعِ مركبٍ قديمْ يؤانس البحارةَ الذين أُرهقوا بغربة الديارْ ويؤنسون خوفَهُ وحيرتهْ بالشدوِ والأشعارْ والنفخ في المزمارْ!) (صلاح عبدالصبور) أنا عيوني على سورك يا بنت النور يا عطر الليل وهمس الليل أنا فيني الأماني سيل أبي تعذرين إحساسي إذا قصّرت وابي تعذرين لو قصرت في حقك أو قصّر كلامي وما وصفك شعور يا بنت النور يا عقد من الوله منثور يا دانة بعين بحارك ترى الأحساس ربانك وانا ربان هالمركب وأفني رحلتي عندك وحطّيت الأمل عندك بس الموج ما يساعد ولا الأقدار بتساعد والى الخطوة قرّبت مني ولا هدت احس انها قريبة ويمك تباعد يا بنت النور يا عقد من الوله منثور أنا لك يا بريق الماس.. أنا الألماس وانت لمعة الماسة وحساسة وقلبك موطن الأزهار وأنا اللي يعشق الأزهار وغيري يقطف احساسه ولكن ما يهم اللي تولع في غرام الورد إلى ما نسيته وردة سقاها بلهفة أنفاسه أنا يا وردة العشاق ونار الحب والأشواق أنا أول من عرف قلبك وأول من سمع نبضك وأول شخص لك اشتاق يا بنت النور يا عقد من الوله منثور (فيصل بن تركي)