يعتبر معرض الرياض الدولي للكتاب من أكبر المهرجانات الثقافية العربية ، فهناك أكثر من مليون زائر يقصدون المعرض سنويا، ناهيك عن مشاركة أكثر من خمسمائة دار نشر من مختلف الاقطار، أضف إليها مشاركات القطاعات الحكومية والمؤسسات المجتمعية التي تهتم بالثقافة والكتاب، وهي بذلك تستهدف القارئ السعودي بالدرجة الأولى والذي بتوالي مواسم معرض الكتاب يتضح للمتابع أن ذائقته القرائية في تطور مستمر، وهو المفترض أن تعمل عليه دور النشر من خلال إصدارات وترجمات جديدة أو طبعات منقحة تشكل إضافة معرفية. إلا أن المراقب لما تقوم به بعض دور النشر المشاركة بمعرض الرياض للكتاب يلحظ غير ذلك ليكون السؤال الموجه لأصحاب تلك الدور؛ إصدارات مكررة!.. بأسعار خيالية!.. هل هو استغلال للقوة الشرائية لدى القارئ السعودي أم ضمور في الإنتاج الكتابي عند المؤلفين ؟ «الكتاب غالٍ» يؤكد ذلك أ.د عبدالله بن عبدالرحمن البريدي استاذ الإدارة والسلوك التنظيمي بجامعة القصيم ويقول بالفعل هنالك تكرار واضح في الإنتاج العربي في السنوات الأخيرة للأسف، ليس في التأليف فقط، بل ثمة تكرار في أعمال الترجمة أيضا، وقد لا يكون الباعث من وراء تكرار الترجمات علميا أو فنيا بل لتحصيل الأرباح ، موضحا أن هذا إهدار للطاقات العربية ، فنحن بحاجة لترجمة آلاف الكتب التي لم تحظ بأي ترجمة، وهي مجدية في الوقت ذاته. وفيما يتعلق بالأسعار ، فلدى البريدي رأي قد يكون مختلفا، حيث يقول نحن نكاد نغض الطرف عن ارتفاع الأسعار في كل شيء سوى الكتب، اذ نولول كثيرا، مع العلم بأن صناعة النشر في العالم العربي غير مربحة بل قد تكون سببا لتكبد خسائر، ولذا فإنني أتفهم ارتفاع الأسعار، وبخاصة أن الكتاب لكي يخرج بشكل لائق علميا ولغويا ومن حيث الإخراج والصف فهو مكلف جدا، ولذا أقول: لا تستكثروا على الكتب ما تدفعونه ! «ضريبة الشح» أما الكاتبة والروائية نداء أبو علي فتقول معرض الكتاب يعد بمثابة احتفاء للكتب يتهافت عليه المثقفون والمهتمّون بالأعمال الأدبية والثقافية والسياسية، خاصة في ظل عدم وفرة الكتب هنا على مدار العام كما هو مطلوب. الأمر الذي تعيه دور النشر المختلفة إلى جانب إدراك القارئ لذلك، فهو قد لا يكترث لدفع مبلغ إضافي من أجل اقتناء كتاب كان يبحث عنه لفترة ولم يتمكن من الحصول عليه من قبل، أو أنه أصدر حديثاً ولم يتم توزيعه بعد إلى غالبية المكتبات. لكنها تبين أن الوعي بالمبلغ الإضافي المدفوع بما قد يظهر أشبه باستغفال للمثقف المحلي في ازدياد، وتخشى ابوعلي أن يؤدي ذلك فيما بعد إلى إجماع برفض مثل هذا التعامل مع المثقف السعودي. كما تنفي وجود علاقة ما بين غلاء الأسعار من أجل تغطية حالة ضمور في الإنتاج الأدبي وما بين ارتفاع أسعار الكتب في معارض الكتاب وتقول الحال مستمر منذ أعوام طويلة وهو ليس بالأمر الجديد وإنما له علاقة بشكلٍ مباشر بإدراك جميع الأطراف بشح الكتب وصعوبة الحصول عليها في المكتبات المحلية ودفع مبلغ أشبه بضريبة ناتجة عن مثل هذا الإدراك. «طبعات مختلفة» كما لاحظ الأستاذ فواز السيحاني الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية أن الذائقة القرائية لدى القراء وزوار المعرض تطورت، وجاء ذلك خلال متابعته من داخل المعرض وبحث القارئ عن دور لم تكون معروفة من قبل من أجل إصدارتها النوعية المختلفة عن تلك الدور التي تسيدت لوقت مضى المشهد الكتابي العربي. وعن الزسعار الخالية لبعض الإصدارات المتكررة يقول السيحاني: هذا حديث كل موسم من المعرض، مما يدلل أن المشهد السعودي مستهدف دائما بسبب ما يروج له بأن المواطن السعودي مداخيله المالية كبيرة مما يعبر عن رؤية تقول إن المثقف السعودي رجل ثري لا يبالي بالسعر، كما يعتبر أن ذلك طبيعيا لحد ما بسبب ان الطبعات التي تخصص من قبل دور النشر للرياض تختلف عن تلك الطبعات التي تستهدف مصر وتونس وغيرها، وهذا بحسب قوله إن المطابع هناك تطبع نفس الإصدار بتلك الدول ولكن بجودة أقل للورق والطباعة عن الإصدار المخصص للسعودية. «هجمة الوهميين» من جهته يضيف الباحث الدكتور زيد الفضيل قائلا: أتصور أن جعبة الناشرين اليوم بدأت في الجفاف لأسباب عدة منها ضمور الساحة الأدبية عن متابعة الابداع الحقيقي في ظل هجمة الوهميين من الكتاب والقصاصين ومشاهير السوشيل ميديا. الذين فرضوا أنفسهم على الساحة بمساندة مفاهيم الإعلام الجديد والقائمين عليه للأسف الشديد، ويرى الفضيل أن هذا الإشكال جاء كنتيجة غلبة المنحى التجاري على دور النشر. ذلك ان المنحى الثقافي كان في السابق هو الغالب على الناشر . فتجد الناشر أديبا قبل أن يكون تاجرا، أما اليوم فالأمر حسب صار خاضعا لقوانين السوق. متخوف الفضيل أن نصل في نهاية المطاف إلى تسويق الزيف والتفاهة بإعتبارها أدباً رصيناً. ويقول لا أظن أن ذلك بعيد في ظل تسيد هؤلاء المشهد الثقافي. وينبه الفضيل قائلا: لا يفهم من قولي أن النقد لكل العاملين في الحقل المعرفي . إنما هو من باب قرع الجرس والانتباه قبل ان نقع في المحذور. وفيما يتعلق بغلاء الكتب يوضح: أن المسؤول عن ضبط ذلك أولا إدارة المعرض والمسؤولين في الوزارة الذين يجب ان يضبطوا الأمر بشكل عادل دون ضرر بالناشر أو ضرار بالمثقف وهي معادلة دقيقة تستلزم تولي المسؤولية من قبل مختصين يمكنهم التفاهم مع اتحاد الناشرين بوجه عام. البريدي: هدر للطاقات أبوعلي: استغفال للمثقف السيحاني: القارئ مستهدف الفضيل: جفاف الناشرين Your browser does not support the video tag.