اعترض نائب برلماني ووزير سابق في دولة عربية على دعوته إلى حضور أحد اجتماعات لجان مجلس النواب عن طريق رسالة نصية "إس إم إس" وقال: إنه لن يحضر أي اجتماع مقبل إذا ما تلقى الدعوة عن طريق "إس إم إس" واعتبر أن توجيه الدعوة إلى النواب عن طريق تلك الوسيلة فيه "قلة احترام إن لم يكن شيئاً آخر" لكنه لم يوضح الوسيلة التي يرغب أن توجه الدعوة له عن طريقها... هل هي بريد إلكتروني أو الهاتف أو ربما الفاكس..؟ توقفت أمام عبارة قلة احترام التي ذكرها الوزير في عصر لا يتواصل فيه الناس إلا بالرسائل النصية أو الواتس أب... حتى البريد الإلكتروني أصبحت رسائله محدودة ورسمية... أما الهاتف فأصبح تقريباً معطلاً لعدم تواصل الناس عن طريقه... واكتفائهم بالرسائل سواء الفردية أو الجماعية وبالذات في المناسبات العملية والاجتماعية...! دون شك وفرت وسيلة الرسائل النصية والواتس أب الوقت والجهد على المرسل... وحفظت الزمن المراق، وأيضاً حفظت للمرسل التأكد من أن رسالته قد وصلت ولكنها أفقدت الناس حس التواصل الإنساني وحرمتهم من سماع أصوات بعضهم.... فالصوت رسالة إنسانية مؤثرة جداً تفتح جسور المحبة مع الآخر وخاصة عندما تجيد اختيار المفردات والكلمات التي تريد من خلالها الوصول إلى الآخر... لكن الرسائل برغم ضمان وصولها إلا أنها فارغة من تعبير التواصل ومع ذلك أصبحت هي الوسيلة الأكثر تداولاً بين الناس في العمل والأفراح والمناسبات...! قبل اختراع الهاتف كان الناس يتواصلون بالرسائل التي قد تصل وقد لا تصل سواء عادية أو مسجلة... وتأخذ وقتاً طويلاً من أجل أن تصل، وعند وصولها وهي مغلقة تتحول إلى حالة خاصة بينها وبين المرسل إليه... يشعر أنه المعني وأنها تخصه يقرؤها ويحتفظ بها ويرد عليها ويفندها، وقد يكون هناك خط رسائل مفتوح بين الطرفين يجسد حالة ما أو أمر ما بصرف النظر عما هو في محتواها، لكن كسر الهاتف الرسائل وحجّمها وأصبح الناس يتواصلون بالهاتف منذ دخوله ينقلون الأخبار ويطلبون الأعمال... ويعيشون حياتهم من خلال التواصل كأصدقاء أو أقرباء أو علاقات إنسانية أخرى... يُسعد الاتصال المتصل وأحياناً المتصل عليه، ولكنه قد يصطدم بعدم الرد خاصة إذا كان هناك ما هو عاجل كإبلاغ عن خبر أو الدعوة لمناسبة مهمة.. فيضطر المتصل لإعادة الاتصال عدة مرات من أجل الإبلاغ عن ما يريده أو يكلف من يعرفون ذلك الشخص بإبلاغه، وأن فلاناً اتصل من أجل كذا عدة مرات ولم تجبه.. وهو يبلغك بكذا... أو حاول أن ترد عليه... وقد يقوم المتصل لشيء مهم للغاية بالذهاب إلى منزل ذلك الشخص إن كان في نفس مدينته للتحدث إليه ولاخباره بأنه لم يرد عليه... كل ذلك عندما كانت الشوارع فارغة والزحام قليلاً والسيارات محدودة... والوقت متاحاً.. وكنت تجد فلاناً يقول بفخر حضر فلان إلى منزلي ليدعوني لفرح ابنه أو أخيه عندما وجد هاتفي متعطلاً...! هذا التواصل المهم كان وسيلة اجتماعية تقارب بين الناس وتعمق تواصلهم الإنساني... وتكثف المحبة بينهم... رغم صعوبة تحققها هذه الأيام... بعد أن أصبح تواصل الناس في كل المناسبات المفرحة والمحزنة والعملية بالرسائل النصية.... حتى إنك قد تستلم رسالة من أقرب الناس إليك ومن الغرفة المجاورة في المنزل... لأنه لا يريد أن يكلف نفسه بالحديث معك أو الاتصال أو الحضور....! ربما تكون وسائل التقنية نعمة، ولكنها نقمة إنسانية دفعت الناس للانغلاق على أنفسهم والاكتفاء بالتعامل مع أجهزة جامدة وتصدير مشاعرهم وما يريدون بجفاف واحتماء في ظل الوقت على حساب الروح والصوت والوجه والتعبير والحضور وجهاً لوجه... الذي لا غنى عنه في بعض الأوقات... المهمة من حياة البشر...!!!