في إحدى الجامعات الأميركية عندما دخل الروائي الروسي نابوكوف إلى قاعة المحاضرات لإلقاء محاضرته حول تاريخ الأدب الروسي. أمر بإطفاء كل الأنوار وإسدال كل الستائر وعندما تم تنفيذ ذلك وحل الظلام الدامس في القاعة. أمر بفتح مصباح واحد وقال: هذا بوشكين. ثم أمر بفتح مصباح آخر وقال: هذا غوغول. ثم أمر بفتح كل المصابيح الأخرى وفتح كل الستائر أجمعها وقال: وهذا تولستوي. عندما قرأت هذه الحادثة، وجسارة نابوكوف في إشعال المصابيح تأملت المشهد الروائي السعودي وقلت: إذا ما تم تطبيق هذا المثال في مشهدنا الروائي فأي من الأسماء الروائية المؤثرة في الرواية السعودية التي ستجعل النقاد والروائيين يأمرون بإضاءة المصابيح وتذكر أسمائهم؟ طرحت «الرياض» هذا السؤال على العديد من الأسماء وتجلت تداعياته في إجابات متباينة ومختلفة الرؤى. سؤال مربك د. لمياء باعشن تمتلكها الحيرة وهي تقرأ دلالة السؤال فتقول: الحقيقة أن لدي مشكلة مع المثال المختار والسؤال المستند عليه. دلالة الظلام الدامس ثم بزوغ أول مصباح مثلاً تعطي أهمية عظمى لمفهوم الريادة. مهمة المبتدئ صعبة جداً تشبه الحفر في الصخر. تأسيس بوشكين مهد الطريق وسهل الإضاءة لغوغل. الريادة تعطي الصدارة بفعل الأسبقية ولا تعني بالضرورة الجودة والمهارة، كما أنها تثبت فكرة المديونية بمعنى أن براعة تولستوي لا يمكن أن تتنكر لفضل بوشكين. لذلك تحتار أمام اختيار الذي أضاء الظلام ولو بشمعة، أو الذي نشر النور بوهج أقوى وعلى مساحات أوسع. وتضيف د. باعشن: كل الروائيين السعوديين مجتمعون يشكلون حقبة زمنية واحدة وظهورهم على الساحة متزامن مما يصعب عملية التفاضل والتمايز. إضافة إلى ذلك فالسؤال يتطلب تعيين الروائي الأقوى من زاوية التأثير وليس الأسبقية ولا الجودة. وترى باعشن أن هناك فروق بين المشهد السعودي والمشهد الثقافي الأوروبي: هذه العلاقة بين الكاتب والقراء متغيرة وعواملها في السعودية مختلفة تماماً عنها في الوسط الثقافي الأوروبي الحديث.. ناهيك عن القديم من الزمن حين لم يكن عند الناس أي وسيلة تثقيفية أخرى. الإضاءة قوية كانت أم ضعيفة لن تجدي شيئاً إن لم يستضيء بها أحد. القراءة للكتب بالتحديد أمر مستجد بين السعوديين وهو فعل كان مشبوهاً ومحفوفاً بالمخاطر حتى زمن قريب. لكن د. لمياء باعشن وبعد تردد تكتفي بمصباح واحد وتقول: إذاً هو غازي القصيبي. انفجار روائي د. محمد البشير الناقد والقاص يقدم هذه القراءة التاريخية الموجزة التي يستعرض فيها مصابيح الرواية السعودية: لا شك أن نابوكوف حين نظر إلى المنجز الروائي الروسي لم ينظر لبداية ونهاية، فلا تثريب حين نقفز (التوأمان) لعبدالقدوس الأنصاري الذي فتح باب الرواية وتركه موارباً لم يشرعه، ودخل من بعده دون أن يشرعه أحد، وظل الباب كذلك سعودياً حتى جاء عبدالرحمن منيف الذي أضيء له المصباح سعودياً بمنجزه الروائي، وحضور المكان حتى أصبح نموذجاً لتمثيل الصحراء كما تناولته ميرال الطحاوي في رسالتها للدكتوراه (جماليات التشكيل في رواية الصحراء.. المقدس وأشكاله في المخيلة الرعوية) والتي خرجت كتاباً بعنوان (محرمات قبلية: المقدس وتخيلاته في المجتمع الرعوي روائياً)، فلا ريب أن منجز عبدالرحمن منيف كان إضاءة من خارج المكان تعبر عن الصحراء، ولكن هذه الإضاءة لم تشرع باباً من الداخل بل ظل موارباً كما كان، فمنيف كان نافذة أطل منها من داخل الدار دون أن تحرك ساكناً فيهم، حتى جاء غازي القصيبي صاحب المصباح الثاني القادم من بيت الشعر مشرعاً الباب بروايته الأولى (شقة الحرية) عام 1994م، ويصبح بعدها مضيفاً في بيت السرد، يتعامل بأبوية، مشيراً من خلال عموده إلى من يكتب الرواية سعودياً، حتى خشي من موهبة عبده خال في مقاله الشهير (أبعدوا هذا الموهوب عني) عقب (الموت يمر من هنا) أول رواية له عام 1995م، ليضع عبده خال اسمه بثقة تامة عبر منجز يستحق التقدير، وليواصل غازي القصيبي منجزه الروائي بغزارة سواء اتفقنا أم اختلفنا معه روائياً، لكنه ظل رحمه الله المضيف في بيت جاره، وشدَّ على يد رجاء الصانع في تجربتها الأولى (بنات الرياض) بتقديمه لها، تلك الرواية التي خلعت الباب وألقته، لتشرع لمن بعدها الدخول، ولتكون الصوت الذي يلفت للانفجار الروائي السعودي عام 2005م. أما المصابيح الأخيرة ، فأجعلها لمن كان في الجانب الآخر، من عملت بصمت مبتعدة عن قوائم أكثر الكتب مبيعاً، وغيرها من قوائم ما يطلبه القراء، فهي قامت بالمقابل من فعل تولستوي حين اشتغل على (الواقعية) وقتها، فكان جديراً بأن يفتح له نابوكوف كل المصابيح، إذ اشتغلت هي باللائق بهذا العصر الروائي، فخاضت الطريق الأصعب بفعل التجريب، حتى أصبحت أنموذجه الأكاديمي في الرواية السعودية منذ روايتها (أربعة - صفر) وحتى روايتها (طوق الحمام) التي توجت بالبوكر عام 2011م. الشاعر مسفر الغامدي برؤية تقترب من الحياد ودون أن يسمي المصابيح له هذه الرؤية: هناك مصابيح (روائية) لا شك في ذلك، حتى مع هذه الفوضى الكتابية التي نعيشها، وبالرغم من أننا لا زلنا حديثي عهد بالرواية، قياساً إلى شعوب سبقتنا كثيراً في هذا المجال. صحيح هناك تفاوت في الإنارة بين مصباح وآخر، ولكن يظل الضوء موجوداً على أي حال. ما يجعل الضوء شحيحاً في الكثير من الأحوال، هو تلك المساحة المفقودة التي يمكن أن يلتقي فيها الروائي بشخصياته. في بلد مثل مصر، أو حتى الكثير من البلدان الأخرى، يمكن للروائي أن يسكن شقة ضيقة، لا تحول بينه وبين التنصت على الجيران. يمكن له أن يقابلهم في الحافلة، أو في المقهى، أو حتى في الشارع.. هنا تتقلص هذه المساحة كثيراً، في ظل الجزر المعزولة التي نعيش فيها، ولذلك كثيراً ما نستبدل المعاش والملموس بالمتخيل والمكتوب. هذا الأمر يفقد الرواية قدرتها على التحول من مجرد مصباح صغير يضيء شارعاً معتماً، إلى شمس تضيء مدينة.. وربما بلداً بأسره. الروائي عواض العصيمي كان أكثر شفافية لكنه لا يجد الروائي السعودي الذي تجربته تستحق أن تضاء من أجله المصابيح وتفتح الستائر: الآن مع هذه الوفرة الروائية من كتاب الرواية وكاتباتها يصعب انتخاب أسماء إبداعية متميزة حق التميز لكن على الرغم من ذلك سأغامر برأيي الذي لا أفرضه على أحد فأقول: سأضيء المصباح الأول وأقول: رجاء عالم وسأضيء المصباح الثاني نصف إضاءة وأقول: عبدالعزيز مشري وسأترك بقية المصابيح مطفأة وسأبقي الستائر مغلقة للزمن القادم فقد يأتي من يستحقها بجدارة . إيمان هادي: من قرأت لهم لم يعودوا يقنعونني القاص والروائي عبدالله الوصالي يتحدث بنبرة يأس بأننا لم نصل بعد إلى مرحلة أن الروائي السعودي في مقام المصباح الروائي: حادثة نابكوف معبرة جداً ومعبرة عن نتاج الشعب الروسي وأثره العملاق في الأدب الروائي. لكنني في الحقيقة لا أرى في نتاجنا ما يمكن أن نطبق عليه المثال! ليس هذا جلداً للذات كما قد يظن البعض، لكنها رؤية شخصية تعتمد على مدى المامي الذاتي بالمنتج المحلي. يمكن لو أن عبدالرحمن منيف واضح الهوية المحلية ربما يكون هو فنار الرواية السعودية. مازلت و أنا أكتب أقلب الأسماء الروائية في راسي دون أن أجد ما أثق أن مثالك ينطبق عليه. الناقد د. حسن النعمي يمنح أسماء روائية سعودية صفة المصابيح ولكن هذه الهبة مشروطة: بالنسبة لموقع الرواية السعودية من الرواية العالمية ماتزال في حقبة ما قبل المصباح. أما موقعها بالنسبة للرواية العربية فهي في فترة إضاءة المصباحين. وأهم من يشعل هذين المصباحين عبده خال، رجاء عالم، يوسف المحيميد، أميمة الخميس، ومحمد حسن علوان. الروائية إيمان هادي تقول: لا أعرف إن كان بإمكاني إضاءة المصابيح وأنا لم أفتح الباب حتى، أعني حتى أكون منصفة علي أن أكون مطلعة على نتاج الجميع أو حتى الأغلب، ولكن لعلي الآن أجد نفسي مجبرة على تذكر اسم لأنه أوجب حضوره، عبد الرحمن منيف. لكن علي أن أضيف: من قرأت لهم سابقاً من الروائيين السعوديين لم يعودوا يعجبونني ولا يقنعونني. الروائي مصطفى الحسن الذي يعترف خجلاً بأنه ليس قارئاً جيد للرواية السعودية يقول: لكن لو حاولت أن أتصور المشهد كما تصوره نابوكوف، فأظن أنني لن أضيء أياً من المصابيح، لأنها ليست موجودة، وسأفتح ستارة صغيرة، وأقول: إنها الرواية العربية القادمة من خارج حدودنا، ثم سأفتح ستارة أخرى أكبر، ليضيء المكان، وسأقول: إنها الرواية المترجمة في ظني أن نابوكوف يتحدث عن (تقليد للرواية الروسية) بالمعنى الفلسفي لكلمة تقليد، تم تدشينه على يد بوشكين وغوغول، وتمت ترسية معالمه على يد تولستوي، فأصبح للرواية الروسية معلم واضح تختلف في داخله المسارات وفي ظني أن الرواية العربية حتى الآن لم تصل لحد وجود تقليد لها، ناهيك عن الرواية السعودية نحن لا زلنا نتلمس طريقنا، لذلك لا زلنا نستضيء بمصابيح البيوت المجاورة لنا. عبده خال عبدالرحمن منيف رجاء عالم رجاء الصانع د. لمياء باعشن: الريادة لا تعني الجودة والمهارة د. محمد البشير: د. القصيبي خشي من موهبة عبده خال مسفر الغامدي: هناك مصابيح حتى مع الفوضى الكتابية عواض العصيمي: لا تجربة تستحق عدا رجاء عالم ومشري د. حسن النعمي: ما نزال في حقبة ما قبل المصباح مصطفى الحسن: للأسف الرواية قادمة من خارج حدودنا