رغم التحديات الاقتصادية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ونقص القدرات الإدارية والمعرفة الفنية، ورغم التشكيك في قدرة المملكة على النجاح في إقامة صناعات بتروكيماوية سعودية، رغم ذلك وغيره، فقد أثمرت الشراكة بين "سابك" و"شل" الأمريكية نجاحات متعددة امتدت لأربعة عقود وعلى أكثر من صعيد، وتعاقبت قصص النجاح في حكاية اسمها الشركة السعودية للبتروكيماويات "صدف". يوم الأحد الماضي وفي الجبيل الصناعية، أعلنت "سابك" قرارها للاستحواذ على كامل حصة شركة "شل العربية المحدودة" في شركة "صدف"، والبالغة 50 في المائة، مقابل 3.08 مليارات ريال سعودي "820 مليون دولار أمريكي"، والتي تمثل قيمة حصة الشريك في صافي الأصول، بناءً على اتفاقية الشراكة بين الطرفين والتي تنص على حق "سابك" في تجديد الشراكة من عدمها بحلول نهاية العام 2020. هذا القرار المتفق عليه من قبل "سابك" و"شل"، يدفعنا لاسترجاع حكاية هذه الشراكة الناجحة والمثمرة منذ البداية، ففي العام 1974، تقدمت "شل" ببعض المشروعات الخاصة بالكيماويات في المملكة، وبعد تأسيس "سابك" في العام 1976، بدأت المفاوضات بين "سابك" و"شل" حول إقامة مشاركة لبناء مجمع لإنتاج الإيثيلين، والستايرين، وثنائي كلوريد الإيثيلين، والإيثانول الصناعي الخام، والصودا الكاوية. استمرت هذه المفاوضات حتى العام 1980، حيث تم الاتفاق بين "سابك" و"شل" على تأسيس الشركة السعودية للبتروكيماويات "صدف"، مناصفة مع شركة "بكتن العربية" المملوكة لشركة "شل" الأمريكية، وانطلقت عمليات التشغيل التجاري للمجمع في العام 1984، قبل الموعد المحدد. وبعد نحو عقدٍ من الزمان، تحديداً في العام 1994، أضافت "صدف" إلى باقة منتجاتها مادة ميثيل ثالثي بوتيل الإيثر، ثم تفضل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله- بافتتاح مشروع توسعة شركة "صدف" في العام 1997، وفي مطلع الألفية الميلادية الحالية، بدء إنتاج المصنع الثاني للستايرين في الشركة. وقد تبنت "صدف" خططاً طموحة لتعزيز قدراتها التنافسية، فلم تتوقف عمليات التطوير في مجمعها طيلة أربعين عاماً، ما جعله من أكبر المجمعات البتروكيماوية العالمية التابعة لشركة "سابك"، وقد حققت "صدف" إنجازات كبيرة في جميع المجالات التشغيلية والإنتاجية والتطويرية، كما سجلت تجربة رائدة في مجال استقطاب وتأهيل العناصر الوطنية محققة نسبة سعودة تجاوزت التسعين في المائة. في الوقت الراهن، يتمثل نشاط "صدف" في إنتاج المواد الكيميائية الأساسية، مثل: الإيثيلين، وميثيل ثالثي بوتيل الإيثر، والستايرين، وغيرها، ويضم مجمع الشركة ستة مصانع للبتروكيماويات يبلغ مجموع إنتاجها أكثر من 4 ملايين طن متري في السنة. تمثل خطوة الاستحواذ على حصة "شل" في "صدف"، تعزيزاً من "سابك" لعوائد استثماراتها الناجحة، التي تُسهم بفاعلية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه، سيستمر التعاون بين "سابك" و"شل"، بعد أن وقعتا مؤخراً مذكرة تفاهم لمدة عام بهدف تعزيز التعاون في دراسة الفرص الاستثمارية المحلية والدولية. ويساعد استحواذ "سابك" على حصة "شل" في "صدف" في المساهمة بدعم رؤية القيادة الرشيدة لتكون المملكة نموذجاً عالمياً رائداً وناجحاً للتميز، من خلال الاتساق مع "رؤية المملكة 2030م"، بلعب دور محوري ووسيط بين البترول والصناعة، لوقوعها في منتصف سلسلة القيمة فيما يتعلق بالتصنيع، وبما يدعم تحول الاقتصاد الوطني ونموه، من خلال رفع مستوى التنافسية في الصناعات المحلية، وتقوية الوضع التنافسي الخارجي عبر الاستثمارات الناقلة للمعرفة والعلوم، والتركيز على الاستثمار في مجال التقنية والابتكار، والمساهمة في تهيئة البيئة الاستثمارية للصناعات البتروكيماوية والتحويلية، لتعميق الوضع الاستراتيجي للمملكة، وتطوير المحتوى الصناعي المحلي. كما تجسد خطوة الاستحواذ على حصة "شل" في "صدف" حرص "سابك" على الانسجام مع "برنامج التحول الوطني 2020"، باضطلاعها بموقع متقدّم في المساهمة بتنفيذ أهداف البرنامج ومحاوره، من خلال امتلاك الشركة بنية تحتية مهمة في مجال تحفيز الابتكار، وتنويع مصادرها من المواد الأولية، وتعمل الشركة على تحقيق مزيد من التقدم في هذا المضمار الوطني. علاوة على المساهمة في رفع نسبة الصادرات السعودية غير النفطية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، والوصول بمساهمة القطاع الخاص السعودي في إجمالي الناتج المحلي إلى مستويات جديدة وطموحة.