مجمع إرادة بالدمام يزرع 200 شجرة لتعزيز الجانب البيئي والصحي    6 مطارات تتصدر الالتزام بأوقات الرحلات في أبريل 2025    الداخلية: تأشيرات الزيارة باستثناء "تأشيرة الحج" لا تخوّل حاملها أداء فريضة الحج    وصول 891 ألف حاج من الخارج عبر المنافذ الدولية    اكثر من 500 مشروع قدموه طالبات وخريجات التصاميم بجامعة الإمام عبدالرحمن في CODEX25    اختتام مهرجان اليوم العالمي للشاي بمحافظة ثادق    مدرب نيوكاسل: عدم التأهل لدوري الأبطال قد يفقد الموسم طابعه المميز    إنفانتينو : رونالدو قد يشارك في مونديال الأندية    دليل الرؤساء التنفيذيين السعوديين للذكاء الاصطناعي    الفكرة نار تضيء أو تحرق قراءة في معركة العقول    بين خالد وغازي من يعرّف الآخر؟    من آيسف إلى العالم: أنا سعودي، إذًا أنا موجود بفكر لا يُستنسخ    محمد صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي    "أبها يعتلي قمة التايكوندو.. وسيدات الصفا يسطرن إنجازاً تاريخياً"    نادي التضامن يصعد إلى الدوري الممتاز لكرة قدم الصالات ويتأهل لنهائي البطولة    ثالث مقاعد روشن بين الحزم والعدالة    الداخلية: ضبط (13118) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    سوريا ترحب بقرار الحكومة الأمريكية القاضي برفع العقوبات عنها    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان رئيس دولة إريتريا بمناسبة ذكرى استقلال بلاده    76 ألف وفاة سنويًا بسبب "تسمم الحمل" حول العالم    طقس شديد الحرارة ورياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق    نوف بنت محمد : "إشراق" تنطلق من المعرفة والعلم لتمكين المشخّصين بفرط الحركة    الشؤون الإسلامية" تستقبل حجاج البحرين بأجواء ضيافة سعودية عبر جسر الملك فهد    إنقاذ 260 عاملا علقوا داخل منجم للذهب في جنوب إفريقيا    ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي بتعرفات بنسبة 50 بالمئة    الخليج بطلاً لكأس الاتحاد السعودي لكرة اليد للمرة العاشرة في تاريخه    الحاجة منيرة: جدي حجّ على قدميه لمدة عامين    ارتفاع عدد ضحايا هجوم في محطة قطار مدينة هامبورج إلى 17 مصاباً    استقبال أولى طلائع الحجاج بمطار الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز في ينبع    الأسفلت المطاطي المرن.. ابتكار هندسي يُحسّن راحة الحجاج ويعزز الاستدامة    أميركا ترفع رسمياً العقوبات عن سوريا    بمتابعة وإشراف سمو أمير منطقة تبوك مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعه لضيوف الرحمن    "الدرعية" تنضم لقائمة "الوجهات العالمية الصديقة للبيئة" لعام 2025م    رئيس البرلمان العربي يستقبل ولي عهد الفجيرة ويهنئه بمناسبة تكريمه في اليوم العربي للاستدامة    شركة المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة تحصد جوائز الخدمات اللوجستية السعودية 2025 لتميزها اللوجستي    تجمع القصيم الصحي يشغّل مركز مدينة حجاج البر لخدمة ضيوف الرحمن    "سباهي" يطلق المعايير الوطنية للجودة والسلامة في مستشفيات المشاعر المقدسة    جامعة جازان تقر برامج ماجستير جديدة وتعتمد ميزانية 2026 والتقويم الأكاديمي للعام المقبل    محافظ صبيا يكرم اللجنة الإعلامية لمهرجان المانجو والفواكه الاستوائية بنسخته ال 21    والد الزميل سالم الأسمري في ذمة الله    إمام المسجد الحرام: الابتلاء تكفير للذنوب ورفعة في الدرجات وعلى المسلم الصبر والاحتساب    تجمع القصيم الصحي يطلق خدمة العلاج الكيميائي بالمنزل لمرضى الأورام    مركز التنمية الاجتماعية في جازان ينفذ ورشة عمل بعنوان "إدارة المشاريع التنموية"    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال ٣٨    أمير منطقة جازان يستقبل المهنئين بتعيينه أميرًا للمنطقة    السكري تحت المجهر: فهم الحالة والوقاية    علامة HONOR تكشف عن سلسلة HONOR 400 Series بكاميرا 200 ميجابكسل مدعومة بالذكاء الاصطناعي و AI Creative Editor الرائد    مركز الملك سلمان للإغاثة يُسيّر الدفعة ال17 من الجسر البري الإغاثي السعودي لمساعدة الشعب السوري    القيادة تعزي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان في وفاة حمد النعيمي    أمير الرياض يطلع على الأعمال الميدانية والرقابية ل" الأمانة"    فلسطين تتهم إسرائيليين بإطلاق النار على وفد دبلوماسي    إبداعات" إثراء" تسطع في" داون تاون ديزاين الرياض"    دعوة للتحرك لإيجاد حل عاجل.. تحذيرات أممية ودولية من تفاقم الأزمة الإنسانية باليمن    تحرك سعودي فاعل.. وضغط غربي على إسرائيل.. صرخات أطفال غزة توقظ العالم    ملابس للاستخدام المتكرر بنكهة البرتقال    حفاظ وحافظات جمعية خيركم يشكرون نائب أمير منقطة مكة وسمو محافظ جدة    المكانة لمن يستحقّها    بحضور محافظ الطائف ..العدواني يحتفل بتخرج نجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من آيسف إلى العالم: أنا سعودي، إذًا أنا موجود بفكر لا يُستنسخ

في زمنٍ تُروَّج فيه أطروحة متهافتة مفادها أن «الآخر يُفكّر ونحن لا»، تبدو الأفقيةُ الفكريةُ مغطاةً بغيوم الشك، لكن حين تتفتح مداركنا على حقائق حيّة، نكتشف كيف تنقشع الأوهام. فقد أطلَّ العقل السعودي مُعلِنًا نفسه مرة أخرى في أبهى صور الإبداع، حين عاد فريقٌ من الموهوبين السعوديين يمثلون العلوم والهندسة في (آيسف) «2025 في الولايات المتحدة، بحصيلة تراكمية تزيد على عشرين جائزة علمية عالمية.
هذا النجاح القيّم، الذي جعل المملكة تتبوأ المركز الثاني عالميًا بعد أمريكا في عدد الجوائز الكبرى، ليس حدثًا عابرًا؛ بل هو أبلغُ ردٍّ على كذبة «الجاهزية الفكرية» المُلوّثة بالعنصرية الثقافية. لقد تبدّدت آثار الظلمة حين خاض شبابٌ سعوديون حاملين هممًا علمية وابتكاراتٍ نوعية – غمار منافسات عالمية شارك فيها أكثر من ألفي متسابق من سبعين دولة. إن تحقيق 23 جائزة كبرى خاصة (14 كبرى و9 خاصة) في مسابقة آيسف 2025، يقدم شهادة واضحة: أن الابتكار والبحث العلمي لا غنى لهما عن الإبداع الكامن لدى الناشئة العربية، حين يتم توفير العوامل الحقيقية لتمكينه.
يأتي هذا الإنجاز بمثابة برهانٍ ماديّ على دحض الخرافات الفكرية. فشعارات من قبيل «الآخرون وحدهم يُفكّرون ونحن تابعون» تتهاوى أمام أرقام ملموسة. فقد أكدت مؤسسة «موهبة» أن المملكة حصدت 23 جائزة عالمية في آيسف 2025، منها ثلاث جوائز ترتيبية في المراتب الأولى والثانية والثالثة، ليجسّد بذلك العقل السعودي مهاراتٍ وفّرها دعمٌ علمي ومؤسسي متكامل.
ولئن قد يسارع البعض إلى التقليل من هذا الإنجاز باعتباره «من نصيب تلاميذ النخبة فقط»، فإن التاريخ الحديث يبيّن أن ريادة الباحثين تتكاثر حين تتوفر البيئة الخصبة. والحقائق تُشير إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة في عدد الجوائز الكبرى، وهو مركز لم يكن ليتأتّى دون تغيير حقيقي في السياسات والاستثمار في العقول.
التساؤل عن سبب هذا الإبداع، إذا كان «العقل العربي لا يفكر»، يقع على عاتقنا، ويجب أن نجيب عليه: العقلُ السعودي أبدى فكرَه عندما وُفّرت له الفرصة. في نهاية المطاف، هل يُمكن لأي ثقافة أن تزدهر دون إعطاء «الآخر» حرية التفكير؟ بالعكس، ربما كان ذهابُ العقل السعودي خلف ستار الجمود نتيجة غياب الإيمان بقدراته، لا نقصًا في ذاته. اليوم، تُناقض الإنجازات الواقعية تلك الأسطورة الجاهزة: قدرات أبناء الوطن قائمة، والبيئة المشجعة تصنع الفارق.
ولا يمكن فهم هذا التقدم بمعزلٍ عن السياسات التي منحت الشباب منصّةً ودعمًا هائلًا. فنجاح فريق العلوم المتقدّم في آيسف لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج مؤسساتٍ ترعى المواهب على مستوى عالمي. فقد شكّل برنامج «موهبة» وشركاؤه بيئةً خصبة للمبدعين الصغار والكبار. ومن خلال مشاركة سنوية منذ عام 2007، صارت السعودية صاحبة سجل حافل، إذ ارتفع رصيدها في آيسف إلى 183 جائزة إجمالًا (124 جائزة كبرى و59 جائزة خاصة).
ويُبرز الأمين العام لمؤسسة موهبة، الدكتور خالد الشريف، أن هذا الإنجاز هو «تتويج لتكامل جهود موهبة ووزارة التعليم وشركائهما، ويعكس ما تتمتع به أدمغة الوطن من كفاءات واعدة تسهم في بناء مستقبل مزدهر في مجالات العلوم والابتكار». بمعنى آخر، إن الاستثمار الحكومي في برامج الموهوبين والابتكار – من خلال الهيئات التعليمية والتقنية والاقتصادية يصنع جيلًا واعيًا يُنير آفاق المعرفة.
هذا الدعمُ الحكومي يتجسّد أيضًا في الرؤية الاستراتيجية 2030، التي وضعت التعليم والبحث ركائز أساسية. فقد خصّصت المملكة 2.5% من الناتج المحلي للبحث والتطوير بحلول عام 2040، وأنشأت هيئات ووزارات متخصصة في البيانات والذكاء الاصطناعي وتعزيز الاقتصاد المعرفي، ليسدّ ذلك الجسر بين التعليم والابتكار، ويجعل من الشباب السعودي رأس حربة في مجال العلوم المستقبلية.
تجلّت هذه الرؤية كذلك في تأسيس جامعات بحثية مرموقة، كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومراكز تكنولوجية متطوّرة، بالإضافة إلى شراكات دولية في مجالات علوم المستقبل ك الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطاقة النظيفة. كل هذا جعل الطالب السعودي «يخوض ساحة الابتكار مُسلّحًا بثقة وطنية وإمكانات مادية»، فيتحوّل شغفه بالعلوم إلى نتائج ملموسة على المنصة العالمية.
ما يعلو فوق الكلمات هو قوةُ البيئة المُنشِّئة للفكر. فأبحاث علم النفس التربوي تُشير إلى أن تنشئة الإبداع تعتمد على توفير بيئة تعليمية غنية بالتشجيع والموارد. فالشغف ينبت من أرضٍ خصبةٍ للفضول، ونظرة الثقة بالقدرة تُحفّز الدماغ على اكتشاف حلول جديدة. وعندما يُعطى الطفلُ السعودي الثقة والقدرة على التجربة والخطأ عبر مختبرات حديثة ومسابقات تشجع البحث – تتفتّح مواهبه وتُترجَم على أرض الواقع.
ولا يخفى الأثر المعرفي والجمعي لهذه الإنجازات؛ فحصول الطلاب السعوديين على جوائز عالمية في مجالات متنوّعة (مثل الكيمياء، والهندسة البيئية، والأنظمة المدمجة، والطاقة، والطب الحيوي) يُظهر عمقًا فكريًا واسعًا يتغذى على علوم حديثة ودراسات متطوّرة. إنه تجسيدٌ لمفاهيم مثل «القدرة الذاتية» و«عقلية النمو» التي تحدث عنها علماء النفس؛ فالإيمان بقدرة الفرد على التعلّم والتطور، مع الدعم الخارجي، يُفضي إلى نتائج تتجاوز التوقعات. لقد أصبح الطالب السعودي غير قانعٍ بأن يُقلّد؛ بل صار صانعًا، يعيد تشكيل الصورة النمطية ذاتها.
في هذا الإطار، يتوافق ما تحقق مع رؤية فلاسفة التعليم والمعرفة: أن كل أمة تُشرّع لعلمائها فضاء التجريب والتفكير الحرّ، تسبق غيرها في عولمة العلوم – تمامًا كما فعل أبناؤنا في آيسف هذا العام.
وليس التحدي المحلي وحده ما يصنع هذه الانطلاقة؛ بل إن العالم كله يمر بتحوّل تكنولوجي عميق. إننا في الثورة الصناعية الخامسة، حيث تُعاد صياغة المفاهيم: التقنية الرقمية والذكاء الاصطناعي صارا ناظمَيْن أساسيّيْن للتغيير. فقد أصبح التحوّل الرقمي والربط الذكي للبيانات يُغيّر من شكل الاقتصاد والمجتمع، كما أن الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والواقع الافتراضي غاصت في شرايين حياتنا اليومية.
في هذا السياق، لا يعنينا إن كان «الآخر» قد فكّر أولًا بل إننا جزء من المخيال العالمي الجديد. إنجازاتنا في آيسف تأتي تزامنًا مع هذه الصورة: فنحن لا نختلق عوالم جديدة فحسب، بل نستثمر في أخطر الأدوات الحديثة. مشاريع طلابنا تتجه نحو مجالات مثل الهندسة البيئية، والمواد المتقدمة، والأنظمة المدمجة، والطاقة النظيفة، والطب الجزيئي؛ وهي مجالات تقنيّة معرفية تقودها اليوم الثورة الخامسة للذكاء الصناعي.
ولهذا لا غرابة أن يعلن الخبراء عن توسع البرامج التعليمية السعودية لتشمل تعليم «الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل» منذ المراحل الابتدائية. فالعقل السعودي، مُسلّحًا بهذه التقنيات، يثبت أنه يقف على خندق التغيير كما يقف على ساحة الإبداع. وفيما تتسارع ثورات التكنولوجيا الكبرى، تأتي مشاركتنا في آيسف كبصمة واضحة: نحن اللاعبون النشيطون في عصر المعرفة، ولسنا المتفرجين.
ومع هذا الفرح الوطني، يجب أن نبقى واعين؛ فالبصمة العلمية على منصّة دولية لا تعني أننا بلغنا الغاية النهائية. بالعكس، هذه الإنجازات المشرقة تُرينا الطريق نحو مزيدٍ من العطاء والتحسين.
فالمملكة، وإن حققت هذا الازدهار، تحتاج دومًا إلى تطوير المنظومة التعليمية؛ إذ إن وصول واحدٍ من كلّ مئة موهوب إلى العالمية لا يعني استفادة الجميع، ولا يغطي طموحاتنا. وهنا تبرز أهمية النقد الذاتي. فلا بد أن نعترف بأن مسار الإصلاح لا يزال طموحًا مفتوحًا: من تطوير المناهج لجعل التفكير النقدي أداة يومية، إلى تعليم كيفية إنشاء التجارب العلمية، وضمان فرص البحث لكلّ تلميذٍ فضولي.
إننا إذ نرفع رؤوسنا بفخرٍ لهذا الانتصار، ندرك أنه لن يكون زيارةً عابرة على أطلال الماضي. بل هو فصلٌ في ملحمةٍ حضارية بدأت منذ قرون، مع خلفاء وأئمةٍ ربطوا بين العقل والإيمان. واليوم، بينما تعيش البشرية تقاطعًا بين العلم والإنسانية في الثورة الصناعية الخامسة، يثبت العقل السعودي، بما لديه من شغف وريادة، أنه شريكٌ فاعل في بناء المستقبل.
فلتظلّ هذه الجوائز ثمارًا لجهودٍ مشتركة تتجدد كل يوم، ولتبقَ رؤانا تتسع لحلمٍ أرحب، يُقرّ بأن العقل إذا أُتيحت له الفرصة، فإنه ينبوعٌ لا ينضب من الإبداع والمعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.